فصل
قال ابن العربى :
قَوْله تَعَالَى :﴿ وَاسْأَلْهُمْ عَنْ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ﴾.
هَذِهِ الْآيَةُ مِنْ أُمَّهَاتِ الشَّرِيعَةِ، وَفِيهَا مَسَائِلُ أُصُولُهَا تِسْعٌ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : إنَّ اللَّهَ أَمَرَ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَسْأَلَ الْيَهُودَ إخْوَةَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ عَنْ الْقَرْيَةِ الْبَحْرِيَّةِ الَّتِي اعْتَدَوْا فِيهَا يَوْمَ السَّبْتِ، فَمَسَخَهُمْ اللَّهُ بِاعْتِدَائِهِمْ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ، لِيُعَرِّفَهُمْ مَا نَزَلَ بِهِمْ مِنْ الْعُقُوبَةِ بِتَغْيِيرِ فَرْعٍ مِنْ فُرُوعِ الشَّرِيعَةِ، فَكَيْفَ بِتَغْيِيرِ أَصْلِ الشَّرِيعَةِ، الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قَوْله تَعَالَى :﴿ وَاسْأَلْهُمْ عَنْ الْقَرْيَةِ ﴾ يَعْنِي أَهْلَ الْقَرْيَةِ ؛ فَعَبَّرَ بِهَا عَنْهُمْ لَمَّا كَانَتْ مُسْتَقَرًّا لَهُمْ وَسَبَبَ اجْتِمَاعِهِمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :﴿ وَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا ﴾ الْآيَةَ، وَكَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿ اهْتَزَّ الْعَرْشُ لِمَوْتِ سَعْدٍ ﴾ يَعْنِي أَهْلَ الْعَرْشِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ يُرِيدُ اسْتِبْشَارَهُمْ بِهِ.
وَكَمَا قَالَ أَيْضًا فِي الْمَدِينَةِ :﴿ هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ ﴾.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : قِيلَ : كَانَتْ هَذِهِ الْمَدِينَةُ أَيْلَةَ، مِنْ أَعْمَالِ مِصْرَ.
وَقِيلَ : كَانَتْ طَبَرِيَّةَ مِنْ أَعْمَالِ الشَّامِ.
وَقِيلَ : مَدْيَنَ ؛ وَرَبُّك أَعْلَمُ.