وقال ابن عاشور :
﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ ﴾
عطف على جملة :﴿ واسألهم ﴾ [ الأعراف : ١٦٣ ] بتقدير اذكر، وضمير ﴿ عليهم ﴾ عائد إلى اليهود المتقدم ذكرهم بالضمير الراجع إليهم بدلالة المقام في قوله تعالى :﴿ واسألهم ﴾ [ الأعراف : ١٦٣ ] كما تقدم بيان ذلك كله مسستوفى عند قوله :﴿ واسألهم عن القرية ﴾ [ الأعراف : ١٦٣ ] فالمتحدث عنهم بهذه الآية لا علاقة لهم بأهل القرية الذين عَدَوْا في السبت.
و﴿ تأذَّنَ ﴾ على اختلاف إطلاقاته، ومما فيه هنا مشتق من الإذن وهو العلم، يقال : أذِنَ أي علم، وأصله العلم بالخبر، لأن مادة هذا الفعل وتصاريفه جائية من الأُذْن، اسم الجارحة التي هي آلة السمع، فهذه التصاريف مشتقة من الجامد نحو استحجر الطين أي صار حجراً، واستنسر البُغاث أي صار نَسراً، فتأذن : بزنة تَفعَل الدالة على مطاوعة فَعل، والمطاوعة مستعملة في معنى قوة حصول الفعل، فقيل : هو هنا بمعنى أفْعلَ كما يقال : تَوعد بمعنى أوْعد فمعنى ﴿ تأذن ربك ﴾ أعلم وأخبر ليبعثن، فيكون فعل أعلم معلقاً عن العمل بلام القسم، وإلى هذا مَال الطبري، قال ابن عطية : وهذا قلق من جهة التصريف إذ نسبة تأذن إلى الفاعل غير نسبة أعلم، ويتبين ذلك من التعدي وغيره، وعن مجاهد :﴿ تأذن ﴾ تألى قال في "الكشاف" معناه عزم ربّك، لأن العازم على الأمر يُحدث نفسه به" أراد أن إشرابه معنى القسم ناشىء عن مجاز فأطلق التأذن على العزم، لأن العازم على الأمر يحدث به نفسه، فهو يؤذنها بفعله فتعزمُ نفسه، ثم أجرى مجرى فعل القسم مثل عَلم الله، وشهد الله.
ولذلك أجيب بما يجاب به القسم.
قال ابن عطية :"وقادهم إلى هذا القول دخول اللام في الجواب، وأما اللفظة فبعيدة عن هذا" وعن ابن عباس ﴿ تأذن ربك ﴾ قال ربك يعني أن الله أعلن ذلك على لسان رسله.