فصل


قال الفخر :
أما قوله تعالى :﴿والذين يُمَسِّكُونَ بالكتاب﴾ يقال مسكت بالشيء وتمسكت به واستمسكت به وامتسكت به، وقرأ أبو بكر عن عاصم ﴿يُمَسِّكُونَ﴾ مخففة والباقون بالتشديد.
أما حجة عاصم فقوله تعالى :﴿فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ﴾ [ البقرة : ٢٢٩ ] وقوله :﴿أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ﴾ [ الأحزاب : ٣٧ ] وقوله :﴿فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ﴾ [ المائدة : ٤ ] قال الواحدي : والتشديد أقوى، لأن التشديد للكثرة وههنا أريد به الكثرة، ولأنه يقال : أمسكته، وقلما يقال أمسكت به.
إذا عرفت هذا فنقول : في قوله :﴿والذين يُمَسّكُونَ بالكتاب﴾ قولان :
القول الأول : أن يكون مرفوعاً بالابتداء وخبره ﴿إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ المصلحين﴾ والمعنى : إنا لا نضيع أجرهم وهو كقوله :﴿إِنَّ الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً﴾ [ الكهف : ٣٠ ] وهذا الوجه حسن لأنه لما ذكر وعيد من ترك التمسك بالكتاب أردفه بوعد من تمسك به.
والقول الثاني : أن يكون مجروراً عطفاً على قوله :﴿الذين يَتَّقُونَ﴾ ويكون قوله :﴿إِنَّا لاَ نُضِيعُ﴾ زيادة مذكورة لتأكيد ما قبله.
فإن قيل : التمسك بالكتاب يشتمل على كل عبادة، ومنها إقامة الصلاة فكيف أفردت بالذكر ؟
قلنا : إظهاراً لعلو مرتبة الصلاة، وأنها أعظم العبادات بعد الإيمان. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٥ صـ ٣٧ ـ ٣٨﴾


الصفحة التالية