وقال ابن الجوزى :
قوله تعالى :﴿ والذين يُمسِّكون بالكتاب ﴾
قرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر، وحمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم :﴿ يمسِّكون ﴾ مشددة، وقرؤوا :﴿ ولا تمسكوا بعصم الكوافر ﴾ مخففة [ الممتحنة : ١٠ ] وقرأهما أبو عمرو بالتشديد.
وروى أبو بكر عن عاصم أنه خففهما.
ويقال : مسَّكتُ بالشيء، وتمسّكت به، واستمسكت به، وامتسكت به.
وهذه الآية نزلت في مؤمني أهل الكتاب الذين حفظوا حدوده ولم يُحرِّفوه، منهم [ عبد الله ] بن سلام واصحابه.
قال ابن الأنباري : وخبر "الذين" :"إنا" وما بعده، وله ضمير مقدر بعد "المصلحين" تأويله : والذين يمسّكون بالكتاب إنا لا نضيع أجر المصلحين منهم، ولهذه العلة وَعَدَهُم حفظَ الأجر بشرطٍ، إذ كان منهم من لم يصلح.
قال : وقال بعض النحويين : المصلحون يرجعون على الذين، وتلخيص المعنى عنده : والذين يمسِّكون بالكتاب، وأقاموا الصلاة، إنا لا نضيع أجرهم، فأظهرت كنايتهم بالمصلحين، كما يقال : عليٌّ لقيتُ الكسائي، وأبو سعيد رويت عن الخدري، يراد لقيتُهُ ورويت عنه.
قال الشاعر :
فيارَبَّ لَيلى أنْتَ في كُلِّ مَوطِنٍ...
وَأنْتَ الذي في رَحْمِةِ الله أطْمَعُ
أراد في رحمته، فأظهر ضمير الهاء. أ هـ ﴿زاد المسير حـ ٣ صـ ﴾
وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ والذين يُمَسِّكُونَ بالكتاب ﴾
أي بالتوراة، أي بالعمل بها ؛ يقال : مسك به وتمسك به أي استمسك به.
وقرأ أبو العالِية وعاصم في رواية أبي بكر "يُمْسِكُونَ" بالتخفيف من أمسك يمسك.
والقراءة الأُولى أوْلى ؛ لأن فيها معنى التكرير والتكثير للتمسك بكتاب الله تعالى وبدينه فبذلك يُمدحون.
فالتمسك بكتاب الله والدِّين يحتاج إلى الملازمة والتكرير لفعل ذلك.
وقال كعب بن زهير :
فما تَمسّكُ بالعهد الذي زعمتْ...
إلاّ كما تُمسك الماءَ الغرابيلُ
فجاء به على طبعه يذمّ بكثرة نقض العهد. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٧ صـ ﴾