فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَيْ فَلَمَّا نَسِيَ الْعَادُونَ الْمُذْنِبُونَ، مَا ذَكَّرَهُمْ وَوَعَظَهُمْ بِهِ إِخْوَانُهُمُ الْمُتَّقُونَ، بِأَنْ تَرَكُوهُ وَأَعْرَضُوا عَنْهُ حَتَّى صَارَ كَالْمَنْسِيِّ فِي كَوْنِهِ لَا تَأْثِيرَ لَهُ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ أَيْ عَنِ الْعَمَلِ الَّذِي تَسُوءُ عَاقِبَتُهُ أَيْ : أَنْجَيْنَاهُمْ مِنَ الْعِقَابِ الَّذِي اسْتَحَقَّهُ فَاعِلُو السُّوءِ بِظُلْمِهِمْ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَحْدَهُمْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ أَيْ : شَدِيدٍ، مِنَ الْبَأْسِ وَهُوَ الشِّدَّةُ، أَوِ الْبُؤْسِ وَهُوَ الْمَكْرُوهُ أَوِ الْفَقْرُ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ أَيْ بِسَبَبِ فِسْقِهِمُ الْمُسْتَمِرِّ لَا بِظُلْمِهِمْ فِي الِاعْتِدَاءِ فِي السَّبْتِ فَقَطْ. وَذَلِكَ أَنَّ وَصْفَهُمْ بِأَنَّهُمْ ظَلَمُوا تَعْلِيلٌ لِأَخْذِهِمْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ، عَلَى قَاعِدَةِ كَوْنِ بِنَاءِ الْحُكْمِ أَوِ الْجَزَاءِ عَلَى الْمُشْتَقِّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُشْتَقَّ مِنْهُ عِلَّةٌ لَهُ، وَلَكِنَّ اللهَ تَعَالَى لَا يُؤَاخِذُ كُلَّ ظَالِمٍ فِي الدُّنْيَا بِكُلِّ ظُلْمٍ يَقَعُ مِنْهُ، وَلَوْ كَانَ قَلِيلًا فِي الصِّفَةِ أَوِ الْعَدَدِ، وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ فِي الْكَيْفِ أَوِ الْكَمِّ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ : وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ (٣٥ : ٤٥) وَقَوْلِهِ : وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ وَإِنَّمَا يُؤَاخِذُ الْأُمَمَ وَالشُّعُوبَ فِي الدُّنْيَا قَبْلَ الْآخِرَةِ بِالظُّلْمِ وَالذُّنُوبِ الَّتِي يَظْهَرُ أَثَرُهَا فِيهَا بِالْإِصْرَارِ وَالِاسْتِمْرَارِ عَلَيْهَا، وَهُوَ مَا أَفَادَهُ هُنَا فِي هَؤُلَاءِ الْيَهُودِ قَوْلُهُ تَعَالَى : بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ وَإِنَّمَا يَكُونُ


الصفحة التالية
Icon