أَقُولُ : إِنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ سُقُوطِ النَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ أَوْ وُجُوبِ تَرْكِهِ فِي حَالَةِ الْيَأْسِ مِنْ تَأْثِيرٍ مَرْجُوحٍ وَلَاسِيَّمَا إِذَا أَخَذَ عَلَى إِطْلَاقِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ شَأْنُ أَضْعَفِ الْإِيمَانِ فِي حَدِيثِ : مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكِرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ ـ وَإِنَّمَا تَكُونُ هَذِهِ الْحَالَةُ أَضْعَفَ الْإِيمَانِ عِنْدَ عَدَمِ اسْتِطَاعَةِ مَا قَبْلَهَا، فَإِنِ اسْتَطَاعَ النَّهْيَ، وَسَكَتَ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ مُطْلَقًا ; وَلِذَلِكَ اخْتَلَفَ فِي هَؤُلَاءِ السَّاكِتِينَ،
الْمُحْتَمِلَةُ حَالُهُمْ لِلْعُذْرِ وَعَدَمِهِ، وَالْيَأْسُ قَلَّمَا يَنْشَأُ إِلَّا مِنْ ضَعْفٍ فِي النَّفْسِ أَوِ الْإِيمَانِ، وَكَأَيِّنٍ مِنْ مِكَّاسٍ وَجَلَّادٍ وَمُدْمِنِ خَمْرٍ تَابَ وَأَنَابَ، وَالْمُحَقِّقُونَ لَمْ يَجْعَلُوا احْتِمَالَ الْأَذَى وَلَا يَقِينَهُ مُوجِبًا لِتَرْكِ النَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَلَا لِتَفْضِيلِهِ عَنِ الْفِعْلِ بَلْ قَالُوا فِي هَذِهِ الْحَالِ بِالْجَوَازِ، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى تَفْضِيلِ النَّهْيِ بِحَدِيثِ أَفْضَلُ الْجِهَادِ كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ.