مِصْدَاقُ هَذَا وَتَفْصِيلُهُ عَلَى مَا قَرَّرْنَا قَوْلُهُ تَعَالَى فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْإِسْرَاءِ : وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (١٧ : ٤) إِلَى قَوْلِهِ : وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (١٧ : ٧) ثُمَّ قَالَ : عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا (١٧ : ٨) الْآيَةَ أَيْ وَإِنْ عُدْتُمْ بَعْدَ عِقَابِ الْمَرَّةِ الْآخِرَةِ إِلَى الْإِفْسَادِ، عُدْنَا إِلَى التَّعْذِيبِ وَالْإِذْلَالِ، وَقَدْ عَادُوا فَسَلَّطَ اللهُ عَلَيْهِمُ النَّصَارَى فَسَلَبُوا مُلْكَهُمُ الَّذِي أَقَامُوهُ بَعْدَ نَجَاتِهِمْ مِنَ السَّبْيِ الْبَابِلِيِّ، وَقَهَرُوهُمْ وَاسْتَذَلُّوهُمْ، ثُمَّ جَاءَ الْإِسْلَامُ فَعَادَاهُ مِنْهُمُ الَّذِينَ كَانُوا هَرَبُوا مِنَ الذُّلِّ وَالنَّكَالِ، وَلَجَئُوا إِلَى بِلَادِ الْعَرَبِ فَعَاشُوا فِيهَا أَعِزَّاءَ آمِنِينَ، وَلَمْ يَفُوا لِلنَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ بِمَا عَاهَدَهُمْ عَلَيْهِ إِذْ أَمَّنَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَحُرِّيَّةِ دِينِهِمْ، بَلْ غَدَرُوا بِهِ وَكَادُوا لَهُ، وَنَصَرُوا الْمُشْرِكِينَ عَلَيْهِ، فَسَلَّطَهُ اللهُ عَلَيْهِمْ فَقَاتَلَهُمْ فَنَصَرَهُ عَلَيْهِمْ، فَأَجْلَى بَعْضَهُمْ، وَقَتَلَ بَعْضًا، وَأَجْلَى عُمَرُ مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ، ثُمَّ فَتَحَ عُمَرُ سُورِيَّةَ، بَعْضَهَا بِالصُّلْحِ كَبَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَبَعْضَهَا عَنْوَةً، فَصَارَ الْيَهُودُ مِنْ سِيَادَةِ الرُّومِ الْجَائِرَةِ الْقَاهِرَةِ فِيهَا إِلَى سُلْطَةِ الْإِسْلَامِ الْعَادِلَةِ، وَلَكِنَّهُمْ ظَلُّوا أَذِلَّةً بِفَقْدِ الْمُلْكِ وَالِاسْتِقْلَالِ. وَقَدْ بَيَّنَّا حَقِيقَةَ حَالِهِمْ، وَمَا يُحَاوِلُونَهُ مِنِ