هنا قدّم الحق مادة الإبصار على مادة السمع ؛ لأن هول القيامة ساعة يأتي سنرى تغيراً في الكون قبل أن نسمع شيئاً. ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إلى يَوْمِ القيامة مَن يَسُومُهُمْ سواء العذاب إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ العقاب وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌْ ﴾ [ الأعراف : ١٦٧ ]
وتأذَّن أي أَعْلم الله إعلاماً مؤكداً بأنكم يا بني إسرائيل ستظلون على انحراف دائم، ولذلك سيسلط الله عليكم من يسومكم سوء العذاب، إما من جهة إيمانية، مثلما فعل رسول الله ﷺ في بني النضير وبني النضير وبني قريظة وبني قينقاع وخيبر، وإما أن يسلط عليهم حاكماً ظالماً غير متدين، مصداقاً لقوله الحق :﴿ وكذلك نُوَلِّي بَعْضَ الظالمين بَعْضاً... ﴾ [ الأنعام : ١٢٩ ]
وكذلك مثلما حدث من بختنصر، وهتلر. إذن ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ ﴾ أي أعلم ربك إعلاماً مؤكداً ؛ لأن البشر قد يُعْلمون بشيء، ولكن قدرتهم ليست مضمونة لكي يعملوا ما أعلموا به، فإذا أعلمت أنت بشيء فأنت قد لا تملك أدوات التنفيذ، أمّا الله - سبحانه - فهو المالك لأدوات التنفيذ، والإعلام منه مؤكد، ولذلك يُعْلم بالشيء، أما غيره فالظروف المحيطة به قد لا تساعده على أن ينفذ.
مثال ذلك : صحابة رسول الله الأول وهم مستضعفون ولم يستطيعوا أن يحموا أنفسهم من اضطهاد المشركين والكافرين، وصار كل واحد يبحث لنفسه عن مكان يأمن فيه ؛ منهم من يذهب إلى الحبشة أو يذهب إلى قوي يحتمي به، فينزل الله في هذه الظروف العصيبة آية قرآنية لرسول الله يقول فيها :﴿ سَيُهْزَمُ الجمع وَيُوَلُّونَ الدبر ﴾ [ القمر : ٤٥ ]


الصفحة التالية
Icon