كلمة ﴿ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ هي التي جعلتنا نفهم أن قول الحق سبحانه وتعالى : أن منهم أناساً صالحين، ومنهم دون ذلك، أي كافرون ؛ لأنهم لو كانوا قد صنعوا الحسن والأحسن فقط، لما جاء الحق ب ﴿ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾. أو هم يرجعون إلى الأحسن.
و" بلونا " أي اختبرنا ؛ لأن لله في الاختبارات مطلق الحرية، فهو يختبر بالنعمة ليعلم واقعاً منك لأنه - سبحانه - عالم به، من قبل أن تعمل، لكن علمه الأزلي لا يُعتبر شهادة منا. لذلك يضع أمامنا الاختبار لتكون نتيجة عملنا شهادة إقرار منا علينا :﴿ وَبَلَوْنَاهُمْ بالحسنات والسيئات ﴾. وسبحانه وتعالى يختبر بالنعمة ليرى أتغزنا الأسباب في الدنيا عن المُسبِّب الأعلى الذي وهبها :﴿ كَلاَّ إِنَّ الإنسان ليطغى * أَن رَّآهُ استغنى ﴾ [ العلق : ٦-٧ ]
فالواجب أن نشكر النعمة ونؤديها في مظان الخير لها. فإن كان العبد سيؤديها بالشكر فقد نجح، وإن أداها على عكس ذلك فهو يرسب في الاختبار. إذن فهناك الابتلاء بالنعم، وهناك الابتلاء بالنقم. والابتلاء بالنقم ليرى الحق هل يصبر العبد أو لا يصبر، أي ليراه ويعلمه واقعاً حاصلاً، وإلا فقد علمه الله أزلاً.
ولذلك يقول الحق سبحانه :﴿ فَأَمَّا الإنسان إِذَا مَا ابتلاه رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ ربي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّآ إِذَا مَا ابتلاه فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ ربي أَهَانَنِ ﴾ [ الفجر : ١٥-١٦ ]
إننا نجد من يقول :﴿ ربي أَكْرَمَنِ ﴾. ومَن يقول :﴿ ربي أَهَانَنِ ﴾ والحق يوضح : أنتما كاذبان. فليست النعمة دليل الإِكرام، ولا سلب النعمة دليل الإِهانة. ولكن الإِكرام ينشأ حين تستقبل النعمة بشكر، وتستقبل النقمة بصبر. إذن مجيء النعمة في ذاتها ليس إلا اختبارا. وكذلك إن قَدَر الله عليك رزقك وضيقه عليك، فهذا ليس للإِهانة ولكنه للاختبار أيضاً.


الصفحة التالية
Icon