فصل
قال الفخر :
اعلم أن قوله :﴿فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ﴾ ظاهره أن الأول ممدوح.
والثاني مذموم، وإذا كان كذلك، فيجب أن يكون المراد : فخلف من بعد الصالحين منهم الذين تقدم ذكرهم خلف.
قال الزجاج : الخلف ما أخلف عليك مما أخذ منك، فلهذا السبب يقال للقرن الذي يجيء في إثر قرن خلف، ويقال فيه أيضاً خلف، وقال أحمد بن يحيى : الناس كلهم يقولون خلف صدق وخلف سوء، وخلف للسوء لا غير.
وحاصل الكلام : أن من أهل العربية من قال الخلف والخلف قد يذكر في الصالح وفي الرديء، ومنهم من يقول الخلف مخصوص بالذم قال لبيد :
وبقيت في خلف كجلد الأجرب.. ومنهم من يقول : الخلف المستعمل في الذم مأخوذ من الخلف، وهو الفساد، يقال للردىء من القول خلف، ومنه المثل المشهور سكت ألفاً ونطق خلفاً، وخلف الشيء يخلف خلوفاً وخلفاً إذا فسد وكذلك الفم إذا تغيرت رائحته.
وقوله :﴿يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذا الأدنى﴾ قال أبو عبيدة جميع متاع الدنيا عرض بفتح الراء، يقال الدنيا عرض حاضر يأكل منها البر والفاجر، وأما العرض بسكون الراء فما خالف العين، أعني الدراهم والدنانير وجمعه عروض، فكان كل عرض عرضاً وليس كل عرض عرضاً، والمراد بقوله :﴿عَرَضَ هذا الأدنى﴾ أي حطام هذا الشيء الأدنى يريد الدنيا وما يتمتع به منها، وفي قوله :﴿هذا الأدنى﴾ تخسيس وتحقير، و ﴿الأدنى﴾ إما من الدنو بمعنى القرب لأنه عاجل قريب، وإما من دنو الحال وسقوطها وقلتها.
والمراد ما كانوا يأخذونه من الرشا في الأحكام على تحريف الكلام.
ثم حكى تعالى عنهم أنهم يستحقرون ذلك الذنب ويقولون سيغفر لنا.
ثم قال :﴿وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ﴾ والمراد الإخبار عن إصرارهم على الذنوب.
وقال الحسن هذا إخبار عن حرصهم على الدنيا وأنهم لا يستمتعون منها.