ثم ذمّهم باغترارهم في قولهم "سَيُغْفَرُ لَنَا" وأنهم بحال إذا أمكنتهم ثانية ارتكبوها، فقطعوا باغترارهم بالمغفرة وهم مصِرّون، وإنما يقول سيغفر لنا من أقْلَع وندم.
قلت : وهذا الوصف الذي ذمّ الله تعالى به هؤلاء موجود فينا.
أسند الدارمِيّ أبو محمد : حدّثنا محمد بن المبارك حدّثنا صدقة بن خالد عن ابن جابر عن شيخ يُكْنَى أبا عمرو عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال : سَيَبْلَى القرآنُ في صدور أقوام كما يَبْلَى الثّوب فيتهافَت، يقرؤونه لا يجدون له شهوة ولا لذة، يَلْبَسون جلود الضأن على قلوب الذئاب، أعمالُهم طمع لا يخالطه خوف، إن قصّروا قالوا سنبلغ، وإن أساؤوا قالوا سيغفر لنا، إنا لا نشرك بالله شيئاً.
وقيل : إن الضمير في "يَأْتِهِمْ" ليهود المدينة ؛ أي وإن يأت يهودَ يَثْرِبَ الذين كانوا على عهد النبيّ ﷺ عَرَضٌ مثْلُه يأخذوه كما أخذه أسلافهم.
قوله تعالى :﴿ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِّيثَاقُ الكتاب أَن لاَّ يِقُولُواْ عَلَى الله إِلاَّ الحق وَدَرَسُواْ مَا فِيهِ والدار الآخرة خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ﴾ فيه مسألتان.
الأُولى : قوله تعالى :﴿ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِّيثَاقُ الكتاب ﴾ يريد التوراة.
وهذا تشديد في لزوم قول الحق في الشرع والأحكام، وألاّ يميل الحكام بالرُّشَا إلى الباطل.
قلت : وهذا الذي لزم هؤلاء وأُخذ عليهم به الميثاق في قول الحق، لازم لنا على لسان نبيّنا ﷺ وكتابِ رَبِّنا، على ما تقدّم بيانه في "النساء".
ولا خلاف فيه في جميع الشرائع، والحمد لله.
الثانية : قوله تعالى :﴿ وَدَرَسُواْ مَا فِيهِ ﴾ أي قرؤوه، وهم قَرِيبُو عهد به.
وقرأ أبو عبد الرحمن "وادارسوا ما فيه" فأدغم التاء في الدال.


الصفحة التالية
Icon