وقيل : تيقنوا ذلك لأن الجبل لا يثبت في الجو، واعترض بأن عدم ثبوته فيه لا يقتضي التيقن لأنه على جري العادة وأما على خرقها فالثابت الثبوت والواقع عدم الوقوع ويكون ذلك كرفعه فوقهم ووقوفه هناك حتى كان ما كان منهم، والحق أن المتيقن لهم الوقوع إن لم يقبلوا لكونه المعلق عليه، ففي الأثر أن بني إسرائيل أبوا أن يقبلوا التوراة فرفع الجبل فوقهم، وقيل : إن قبلتم وإلا ليقعن عليكم فوقع كل منهم ساجداً على حاجبه الأيسر وهو ينظر بعينه اليمنى إلى الجبل فرقاً من سقوطه فلذلك لا ترى يهودياً يسجد إلا على حاجبه الأيسر ويقولون : هي السجدة التي رفعت عنا بها العقوبة وامتثلوا ما أمروا به ولا يقدح في ذلك احتمال الثبوت على خرق العادة كما لا يقدح فيه عدم الوقوع إذا قبلوا، ألا ترى إلى أنه يتيقن احتراق ما وقع في النار مع إمكان عدمه كما في قصة الخليل عليه الصلاة والسلام، وذهب الرماني.
والجبائي إلى أن الظن على بابه، والمراد قوي في نفوسهم أنه واقع، واختاره بعض المحققين، والجملة مستأنفة، وجوز أن تكون معطوفة على نتقنا أو حالاً بتقدير قد كما قال أبو البقاء ﴿ خُذُواْ ﴾ أي وقلنا خذوا أو قائلين خذوا ﴿ مَا ءاتيناكم ﴾ من الكتاب ﴿ بِقُوَّةٍ ﴾ أي بجد وعزم على تحمل مشاقه، والجار والمجرور متعلق بمحذوف وقع حالاً من الواو، والمراد خذوا ذلك مجدين ﴿ واذكروا مَا فِيهِ ﴾ أي اعملوا به ولا تتركوه كالمنسي وهو كناية عن ذلك أو مجاز.
وقرأ ابن مسعود ﴿ وتذكروا ﴾ وقرىء واذكروا بمعنى وتذكروا ﴿ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ بذلك قبائح الأعمال ورذائل الأخلاق أو راجين أن تنتظموا في سلك المتقين.


الصفحة التالية
Icon