وكذلك الحيوان إذا أحضرت له طعاما فهو لا يأكل أكثر من طاقته حتى لو ضربه صاحبه. أما الإنسان فقد يأكل بعد أن يشبع، وحين يقول له مُضيفه - على سبيل المثال - : أنت لم تذق هذا اللون من اللحم، فيأكل. ولهذا نجد أن الأمراض في الانسان أكثر من الأمراض في الحيوان ؛ لأن اختيار الإنسان يمتد إلى مجالات متعددة متفرقة قد تضر به وتؤذيه.
ونعرف جميعاً هذا المثال للفارق بين الإنسان والحيوان، نجد الإنسان يغلي النعناع ويشربه، ويطبخ الملوخية ليأكلها، وقد فعل ذلك لأنه اختبر الاثنين، فلم يأكل النعناع وأكل الملوخية، رغم تشابه أوراقهما. لكن هات شجرة النعناع أمام الجاموسة أو الحمار، وهات النجيل الناشف وضع الاثنين أمام الجاموسة أو الحمار، ستجد الجاموسة والحمار يتجهان إلى النجيل الناشف ويتركان نبات النعناع الأخضر الرطب، وهما يفعلان ذلك بالغريزة، فالمحكوم بالغريزة له نظام، ولو كان الحيوان مختارا لارْتَبَكت حركة الحياة كلها واختلطت واشتد على الناس شأنها.
وهكذا نعرف أن مقومات الحياة تقوم على قوانين الغريزة، وهذه القوانين موجودة في الكون لتخدمنا نحن بني البشر. فالكهرباء مثلاً كانت موجودة قبل أن ننتفع بها، لكن بعد ذلك انتفعنا بها، وكذلك الجاذبية، كانت موجودة في الكون منذ الأزل، لكنا لم ننتبه لها، وحين اكتشفناها زادت قدراتنا على الاستفادة منها، وهكذا نرى أن الإنسان واحد من هذا الكون، إلا أنه يتميز بأن له جهة اختيار في بعض الأمور، وله جهة قهر في البعض الآخر، فهو يشارك الكون في القهر، ويتميز عن بقية المخلوقات - عدا الجن - بالاختيار في أمور أخرى. ونجد على سبيل المثال أن الإنسان الذي يعاني قلبه من ضعف ما، عندما يصعد هذا الإنسان سلماً ينهج ويتتابع نَفَسه من الإعياء وكثرة الحركة، لأنّ غريزته المحكوم بها تُنبه الجسد إلى ضرورة أن تعمل الرئة أكثر لتعطي الأوكسجين الذي يساعد على الصعود.


الصفحة التالية
Icon