القول الأول : أنه من كلام الملائكة، وذلك لأنهم لما قالوا ﴿بلى﴾ قال الله للملائكة اشهدوا فقالوا شهدنا، وعلى هذا القول يحسن الوقف على قوله :﴿قَالُواْ بلى﴾ لأن كلام الذرية قد انقطع ههنا وقوله :﴿أَن تَقُولُواْ يَوْمَ القيامة إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافلين﴾ تقريره : أن الملائكة قالوا شهدنا عليهم بالإقرار، لئلا يقولوا ما أقررنا، فأسقط كلمة "لا" كما قال :
﴿وألقى فِى الأرض رَوَاسِىَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ﴾ [ النحل : ١٥ ] يريد لئلا تميد بكم، هذا قول الكوفيين، وعند البصريين تقريره : شهدنا كراهة أن يقولوا.
والقول الثاني : أن قوله :﴿شَهِدْنَا﴾ من بقية كلام الذرية، وعلى هذا التقرير، فقوله :﴿أَن تَقُولُواْ يَوْمَ القيامة إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافلين﴾ متعلق بقوله :﴿وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ﴾ والتقدير : وأشهدهم على أنفسهم، بكذا وكذا، لئلا يقولوا يوم القيامة ﴿إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافلين﴾ أو كراهية أن يقولوا ذلك وعلى هذا التقدير، فلا يجوز الوقف عند قوله :﴿شَهِدْنَا﴾ لأن قوله :﴿أَن يَقُولُواْ﴾ متعلق بما قبله وهو قوله :﴿وَأَشْهَدَهُمْ﴾ فلم يجز قطعه منه.
واختلف القراء في قوله :﴿أَن يَقُولُواْ﴾ أو تقولوا : فقرأ أبو عمرو بالياء جميعاً، لأن الذي تقدم من الكلام على الغيبة وهو قوله :﴿مِن بَنِى ءادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرّيَّتَهُمْوَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ﴾ وقرأ الباقون بالتاء، لأنه قد جرى في الكلام خطاب وهو قوله :﴿أَلَسْتَ بِرَبّكُمْ قَالُواْ بلى شَهِدْنَا﴾ وكلا الوجهين حسن، لأن الغائبين هم المخاطبون في المعنى. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٥ صـ ٣٩ ـ ٤٤﴾