وقال أبو السعود :
﴿ وَلَوْ شِئْنَا ﴾
كلامٌ مستأنفٌ مَسوقٌ لبيان مناطِ ما ذُكر من انسلاخه من الآيات ووقوعِه في مهاوي الغَواية، ومفعولُ المشيئةِ محذوفٌ لوقوعها شرطاً وكونِ مفعولِها مضمونَ الجزاءِ على القاعدة المستمرة، أي ولو شئنا رفعَه ﴿ لرفعناه ﴾ أي إلى المنازل العاليةِ للأبرار العالمين بتلك الآياتِ العاملين بموجبها، لكن لا بمحض مشيئتِنا من غير أن يكون له دخلٌ في ذلك أصلاً فإنه منافٍ للحكمة التشريعية المؤسسةِ على تعليق الأجزيةِ بالأفعال الاختيارية للعباد، بل مع مباشرته للعمل المؤدِّي إلى الرفع بصرف اختيارِه إلى تحصيله كما ينبىء عنه قوله تعالى :﴿ بِهَا ﴾ أي بسبب تلك الآياتِ بأن عمِل بموجبها فإن اختيارَه وإن لم يكن مؤثراً في حصوله ولا في ترتب الرفعِ عليه بل كلاهما بخلق الله تعالى لكن خلقَه تعالى مَنوطٌ بذلك ألبتةَ حسب جَرَيان العادةِ الإلهية، وقد أشير إلى ذلك في الاستدراك بأن أُسند ما يؤدي إلى نقيض التالي إليه حيث قيل :﴿ ولكنه أَخْلَدَ إِلَى الأرض ﴾ مع أن الإخلادَ إليها أيضاً مما لا يتحقق عند صرف اختيارِه إليه بخلقه تعالى كأنه قيل : لو شئنا رفعَه بمباشرته لسببه لرفعناه بسبب تلك الآيات التي هي أقوى أسبابِ الرفع ولكن لم نشأْه لمباشرته لسبب نقيضِه فتُرك في كلَ من المقامين ما ذكر في الآخر تعويلاً على إشعار المذكورِ بالمطويّ كما في قوله تعالى :﴿ وَإِن يَمْسَسْكَ الله بِضُرّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَادَّ لِفَضْلِهِ ﴾ وتخصيصُ كلَ من المذكورين بمقامه للإيذان بأن الرفعَ مرادٌ له تعالى بالذات وتفضّلٌ محضٌ عليه لا دخلَ فيه لفعله حقيقةً، كيف لا وجميعُ أفعاله ومباديها من نعمه تعالى وتفضّلاته، وإن نقيضَه إنما أصابه بسوء اختيارِه على موجب الوعيدِ لا بالإرادة الذاتيةِ له سبحانه كما قيل في وجه ذكرِ الإرادةِ مع الخير، والمسِّ مع الضرّ في الآية المذكورةِ وهو الشرُّ في جريان السنة


الصفحة التالية
Icon