وهؤلاء مع قدرتهم على ذلك أهملوه فنزلوا عن رتبتها درجة كما أن من طلب الكمال وسعى له سعيه مع نزاع الشهوات علا عن درجة الملائكة بما قاسى من الجهاد.
ولما تشاركوا الأنعام بهذه في الغفلة وزادوا عليها، أنتج ذلك قطعاً على طريق الحصر :﴿أولئك﴾ أي البعداء البغضاء ﴿هم﴾ أي خاصة ﴿الغافلون﴾ لا الأنعام، فإنها - وإن كانت غافلة عما يراد بها - غير خالدة في العذاب، فلم تشاركهم في العمى والصمم عما ينفعها ولا في الغفلة عن الخسارة الدائمة، فقد أشارت الآية إلى تفضيل الإنسان على الملك كما اقتضته سورة الزيتون، لأنه جعل في خلقه وسطاً بين الملك الذي هو عقل صرف والحيوان الذي هو شهوة مجردة، فإن غلب عقله كان أعلى بما عالجه من جهاد الشهوات فكان في
﴿أحسن تقويم﴾ [ التين : ٥ ] وإن غلبت شهوته كان أسفل من الحيوان بما أضاع من عقله فكان ﴿أسفل سافلين﴾ [ التين : ٥ ]. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٣ صـ ١٥٨ ـ ١٥٩﴾