الوجه الثاني : أنه تعالى قال بعد هذه الآية :﴿لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا﴾ وهو تعالى إنما ذكر ذلك في معرض الذم لهم، ولو كانوا مخلوقين للنار، ولما كانوا قادرين على الإيمان ألبتة وعلى هذا التقدير فيقبح ذمهم على ترك الإيمان.
الوجه الثالث : وهو أنه تعالى لو خلقهم للنار لما كان له على أحد من الكفار نعمة أصلاً، لأن منافع الدنيا بالقياس إلى العذاب الدائم، كالقطرة في البحر، وكان كمن دفع إلى إنسان حلواً مسموماً فإنه لا يكون منعماً عليه، فكذا ههنا.
ولما كان القرآن مملوأ من كثرة نعمة الله على كل الخلق، علمنا أن الأمر ليس كما ذكرتم.
الوجه الرابع : أن المدح والذم، والثواب والعقاب، والترغيب والترهيب يبطل هذا المذهب الذي ينصرونه.
الوجه الخامس : لو أنه تعالى خلقهم للنار، لوجب أن يخلقهم ابتداء في النار، لأنه لا فائدة في أن يستدرجهم إلى النار بخلق الكفر فيهم.
الوجه السادس : أن قوله :﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ﴾ متروك الظاهر، لأن جهنم اسم لذلك الموضع المعين، ولا يجوز أن يكون الموضع المعين مراداً منه، فثبت أنه لا بد وأن يقال : إن ما أراد الله تعالى بخلقهم منهم محذوف، فكأنه قال : ولقد ذرأنا لكي يكفروا فيدخلوا جهنم، فصارت الآية على قولهم متروكة الظاهر، فيجب بناؤها على قوله :﴿وَمَا خَلَقْتُ الجن والإنس إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾ لأن ظاهرها يصح دون حذف.