فأما إذا لم يكن كذلك كان قليل الفائدة، وأنا أذكر لهذا المعنى مثالاً، وهو أن من أراد أن يقول في تحريمة صلاته الله أكبر، فإنه يجب أن يستحضر في النية جميع ما أمكنه من معرفة آثار حكمة الله تعالى في تخليق نفسه وبدنه وقواه العقلية والحسية أو الحركية، ثم يتعدى من نفسه إلى استحضار آثار حكمة الله في تخليق جميع الناس، وجميع الحيوانات، وجميع أصناف النبات والمعادن، والآثار العلوية من الرعد والبرق والصواعق التي توجد في كل أطراف العالم، ثم يستحضر آثار قدرة الله تعالى في تخليق الأرضين والجبال والبحار والمفاوز، ثم يستحضر آثار قدرة الله تعالى في تخليق طبقات العناصر السفلية والعلوية، ثم يستحضر آثار قدرة الله تعالى في تخليق أطباق السموات على سعتها وعظمها، وفي تخليق أجرام النيرات من الثوابت والسيارات، ثم يستحضر آثار قدرة الله تعالى في تخليق الكرسي وسدرة المنتهى، ثم يستحضر آثار قدرته في تخليق العرش العظيم المحيط بكل هذه الموجودات، ثم يستحضر آثار قدرته في تخليق الملائكة من حملة العرش والكرسي وجنود عالم الروحانيات، فلا يزال يستحضر من هذه الدرجات والمراتب أقصى ما يصل إليه فهمه وعقله وذكره وخاطره وخياله، ثم عند استحضار جميع هذه الروحانيات والجسمانيات على تفاوت درجاتها وتباين منازلها ومراتبها، ويقول الله أكبر، ويشير بقوله الله إلى الموجود الذي خلق هذه الأشياء وأخرجها من العدم إلى الوجود، ورتبها بما لها من الصفات والنعوت، وبقوله أكبر أي أنه لا يشبه لكبريائه وجبروته وعزه وعلوه وصمديته هذه الأشياء بل هو أكبر من أن يقال : إنه أكبر من هذه الأشياء.
فإذا عرفت هذا المثال الواحد فقس الذكر الحاصل مع العرفان والشعور، وعند هذا ينفتح على عقلك نسمة من الأسرار المودعة تحت قوله :﴿ولله الأسماء الحسنى فادعوه بِهَا ﴾.
أما قوله تعالى :﴿وَذَرُواْ الذين يُلْحِدُونَ فِى أسمائه﴾ ففيه مسائل :


الصفحة التالية