فصل


قال الفخر :
﴿وَأُمْلِى لَهُمْ إِنَّ كَيْدِى مَتِينٌ﴾
الإملاء في اللغة الإمهال وإطالة المدة ونقيضه الإعجال والملى زمان طويل من الدهر ومنه قوله :﴿واهجرنى مَلِيّاً﴾ [ مريم : ٤٦ ] أي طويلاً.
ويقال ملوة وملوة وملاوة من الدهر أي زمان طويل، فمعنى ﴿وَأُمْلِى لَهُمْ﴾ أي أمهلهم وأطيل لهم مدة عمرهم ليتمادوا في المعاصي ولا أعاجلهم بالعقوبة على المعصية ليقلعوا عنها بالتوبة والإنابة.
وقوله :﴿إِنَّ كَيْدِى مَتِينٌ﴾ قال ابن عباس : يريد إن مكري شديد، والمتين من كل شيء هو القوي يقال متن متانة.
واعلم أن أصحابنا احتجوا في مسألة القضاء والقدر بهذه الألفاظ الثلاثة، وهي الاستدراج والإملاء والكيد المتين، وكلها تدل على أنه تعالى أراد بالعبد ما يسوقه إلى الكفر والبعد عن الله تعالى، وذلك ضد ما يقوله المعتزلة.
أجاب أبو علي الجبائي، بأن المراد من الاستدراج، أنه تعالى استدرجهم إلى العقوبات حتى يقعوا فيها من حيث لا يعلون، استدراجاً لهم إلى ذلك حتى يقعوا فيه بغتة، وقد يجوز أن يكون هذا العذاب في الدنيا كالقتل والاستئصال، ويجوز أن يكون عذاب الآخرة.
قال وقد قال بعض المجبرة المراد : سنستدرجهم إلى الكفر من حيث لا يعلمون.
قال : وذلك فاسد، لأن الله تعالى أخبر بتقدم كفرهم، فالذي يستدرجهم إليه فعل مستقبل، لأن السين في قوله :﴿سَنَسْتَدْرِجُهُم﴾ يفيد الاستقبال، ولا يجب أن يكون المراد : أن يستدرجهم إلى كفر آخر لجواز أن يميتهم قبل أن يوقعهم في كفر آخر، فالمراد إذن : ما قلناه، ولأنه تعالى لا يعاقب الكافر بأن يخلق فيه كفراً آخر، والكفر هو فعله، وإنما يعاقبه بفعل نفسه.


الصفحة التالية
Icon