فصل
قال الفخر :
﴿ أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ ﴾
فقال :﴿أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِى مَلَكُوتِ السموات والأرض﴾ واعلم أن دلائل ملكوت السماوات والأرض على وجود الصانع الحكيم القديم كثيرة، وقد فصلناها في هذا الكتاب مراراً وأطواراً فلا فائدة في الإعادة.
ثم قال :﴿وَمَا خَلَقَ الله مِن شَىْء﴾ والمقصود التنبيه على أن الدلائل على التوحيد غير مقصورة على السماوات والأرض.
بل كل ذرة من ذرات عالم الأجسام والأرواح فهي برهان باهر، ودليل قاهر على التوحيد، ولنقرر هذا المعنى بمثال.
فنقول : إن الضوء إذا وقع على كوة البيت ظهر الذرات والهباآت، فلنفرض الكلام في ذرة واحدة من تلك الذرات فنقول : إنها تدل على الصانع الحكيم من جهات غير متناهية، وذلك لأنها مختصة بحيز معين من جملة الأحياز التي لا نهاية لها في الخلاء الذي لا نهاية له، وكل حيز من تلك الأحياز الغير المتناهية، فرضنا وقوع تلك الذرة فيه كان اختصاصها بذلك الحيز المعين من الممكنات والجائزات، والممكن لا بد له من مخصص ومرجح وذلك المخصص إن كان جسماً عاد السؤال فيه، وإن لم يكن جسماً فهو الله سبحانه، وأيضاً فتلك الذرة لا تخلو عن الحركة والسكون، وكل ما كان كذلك فهو محدث، وكل محدث فإن حدوثه لا بد وأن يكون مختصاً بوقت معين مع جواز حصوله قبل ذلك وبعده، فاختصاصه بذلك الوقت المعين الذي حدث فيه، لا بد وأن يكون بتخصيص مخصص قديم فإن كان ذلك المخصص جسماً عاد السؤال فيه، وإن لم يكن جسماً فهو الله سبحانه وتعالى، وأيضاً أن تلك الذرة مساوية لسائر الأجسام في التحيز والحجمية.
ومخالفة لها في اللون والشكل والطبع والطعم وسائر الصفات.