وقوله :﴿ وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم ﴾ معطوف على ﴿ وما خلق الله من شيء ﴾.
و﴿ أنْ ﴾ هذه هي أن المفتوحه الهمزة المشددة النون خففت، فكان اسمها ضمير شأن مقدراً.
وجملة :﴿ عسى أن يكون ﴾ إلخ خبر ضمير الشأن.
و﴿ أن ﴾ التي بعد عسى مصدرية هي التي تزاد بعد عسى غالباً في الاستعمال.
واسمُ ﴿ يكون ﴾ ضمير شأن أيضاً محذوف، لأن ما بعد ( يكون ) غير صالح لأن يعتبر اسماً لكان، والمعنى ألم ينظروا في توقع قرب أجلهم.
وصيغ الكلامُ على هذا النظم ؛ لإفادة تهويل الأمر عليهم وتخويفهم، بجعل متعلق النظر من معنى الإخبار للدلالة على أنه أمر من شأنه أن يخْطر في النفوس، وأن يتحدث به الناس، وأنه قد صار حديثاً وخبراً فكأنه أمر مسلم مقرر.
وهذا موقع ضمير الشان حيثما ورد، ولذلك يسمى : ضميرَ القصة اعتداداً بأن جملة خبره قد صارت شيئاً مقرراً ومما يقصه الناس ويتحدثون به.
ومعنى النظر في توقع اقتراب الأجل، التخوفُ من ذلك.
والأجل المضاف إلى ضمير المكذبين هو أجل الأمة لا أجل الأفراد، لأن الكلام تهديد بأجل غير متعارف، نبههم إلى التفكر في توقع حلول الاستئصال بهم وإهلاكهم كما هلك المكذبون من قبلهم، لأنهم إذا تفكروا في أن صاحبهم ليس بمجنون حصل لهم العلم بأنه من العقلاء، فما كان العاقل بالذي يُحدث لقومه حادثاً عظيماً مثل هذا، ويحدث لنفسه عناء كهذا العناء لغير أمر عظيم جاء به، وما كان ليدع الكذب على الناس ويكذب على الله، وإذا نظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء علموا أن الله الملك الأعظم، وأنه خالق المخلوقات، فأيقنوا بأنه الإله الواحد، فآل ذلك إلى تصديق الرسول عليه الصلاة والسلام، وإبطال معتقدهم تعدد الآلهة أو آل في أقل الاحتمالات إلى الشك في ذلك، فلا جرم أن يفضي بهم إلى النظر في توقع مصير لهم مثل ما صار إليه المكذبون من قبلهم.


الصفحة التالية
Icon