فـ "الحديث" هنا إن حُمل على حقيقته جاز أن يراد به القرآن، كما في قوله تعالى :﴿ فليأتوا بحديثثٍ مثله ﴾ [ الطور : ٣٤ ] فيكون الضمير في قوله :﴿ بعده ﴾ بمعنى بعد القرآن، أي بعدَ نزوله، وجاز أن يراد به دعوى محمد ﷺ الرسالة من عند الله، وكلا الاحتمالين يناسب قوله :﴿ أولم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة ﴾ [ الأعراف : ١٨٤ ].
والباء في قوله :﴿ فبأي حديث ﴾ على هذا باء التعدية لتعدية فعل ﴿ يؤمنون ﴾، وإن حمل على المجاز شمل القرآن وغيره من دلائل المصنوعات باعتبار أنها من شأنها أن يتحدث الناس بها كما في قوله :﴿ فبأي حديثثٍ بعد الله وآياته يؤمنون ﴾ [ الجاثية : ٦ ] فيكون الضمير في قوله :﴿ بعده ﴾ عائداً على معنى المذكور أي ما ذُكر من ملكوت السموات والأرض، وما خلق الله من شيء، وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم، وأفرد الضمير لتأويله بالمذكور كما في قوله تعالى :﴿ وآتوا النساء صدقاتهن نحلةً فإن طبن لكم عن شيءٍ منه نفْساً ﴾ في سورة النساء ( ٤ ) أي فبأي شيء يستدل عليهم غير ما ذكر بعدَ أن لم ينتفعوا بدلالة ما ذكر، ولم يؤمنوا له فلا يرجى منهم إيمان بعد ذلك.
والباء على هذا الوجه للسببية متعلقة بيؤمنون } و ( بَعد ) هنا مستعارة لمعنى غير، لأن الظروف الدالة على المباعدة والمفارقة تستعمل استعمال المغاير قال تعالى :﴿ فمن يهديه من بعد الله ﴾ [ الجاثية : ٢٣ ] وحمل ( بعد ) على حقيقتها هنا يحوج إلى تأويل، ويخرج الكلام عن سواء السبيل. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٨ صـ ﴾