وقال بعض المتقدّمين في تأويل قوله تعالى :﴿وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ أي مما علّمناهم يعلّمون ؛ حكاه أبو نصر عبد الرحيم ابن عبد الكريم القُشيري. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ١ صـ ١٧٩﴾.
فائدة
قال ابن عاشور :
﴿وَمِمَّا رزقناهم يُنفِقُونَ﴾.
صلة ثالثة في وصف المتقين مما يحقق معنى التقوى وصدق الإيمان من بذل عزيز على النفس في مرضاة الله ؛ لأن الإيمان لما كان مقره القلب ومترجمه اللسان كان محتاجاً إلى دلائل صدق صاحبه وهي عظائم الأعمال، من ذلك التزام آثاره في الغيبة الدالة عليه :﴿الذين يؤمنون بالغيب﴾ ومن ذلك ملازمة فعل الصلوات لأنها دليل على تذكر المؤمن من آمن به.
ومن ذلك السخاء ببذل المال للفقراء امتثالاً لأمر الله بذلك.
والرزق ما يناله الإنسان من موجودات هذا العالم التي يسد بها ضروراته وحاجاته وَينال بها مُلائَمه، فيطلق على كل ما يحصل به سد الحاجة في الحياة من الأطعمة والأنعام والحيوان والشجر المثمر والثياب وما يقتني به ذلك من النقدين، قال تعالى :﴿وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه﴾ [ النساء : ٨ ] أي مما تركه الميت وقال :﴿الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر وفرحوا بالحياة الدنيا﴾ [ الرعد : ٢٦ ] وقال في قصة قارون :﴿وآتيناه من الكنوز إلى قوله ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر﴾ [ القصص : ٧٦ ٨٢ ] مراداً بالرزق كنوزُ قارون وقال :﴿ولو بسط الله الرزق لعباده لبَغوا في الأرض﴾ [ الشورى : ٢٧ ] واشْهَرُ استعماله بحسب ما رأيتُ من كلام العرب وموارد القرآن أنه ما يحصل من ذلك للإنسان، وأما إطلاقه على ما يتناوله الحيوان من المرعى والماء فهو على المجاز، كما في قوله تعالى :﴿وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها﴾ [ هود : ٦ ] وقوله :﴿وجد عندها رزقاً﴾ [ آل عمران : ٣٧ ] وقوله :﴿لا يأتيكما طعام ترزقانه﴾ [ يوسف : ٣٧ ].