هكذا ذهب إليه أكثر الأئمة، بل قد حكاه الشافعي وأحمد بن حنبل وأبو عُبَيد وغير واحد إجماعًا : أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص. وقد ورد فيه آثار كثيرة وأحاديث أوردنا الكلام فيها في أول شرح البخاري، ولله الحمد والمنة.
ومنهم من فسره بالخشية، لقوله تعالى :﴿إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ﴾ [ الملك : ١٢ ]، وقوله :﴿مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ﴾ [ ق : ٣٣ ]، والخشية خلاصة الإيمان والعلم، كما قال تعالى :﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ [ فاطر : ٢٨ ].
وأما الغيب المراد هاهنا فقد اختلفت عبارات السلف فيه، وكلها صحيحة ترجع إلى أن الجميع مراد.
قال أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، في قوله :﴿يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾ قال : يؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وجنته وناره ولقائه، ويؤمنون بالحياة بعد الموت وبالبعث، فهذا غيب كله.
وكذا قال قتادة بن دعامة.
وقال السدي، عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس، وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي ﷺ : أما الغَيب فما غاب عن العباد من أمر الجنة، وأمر النار، وما ذكر في القرآن.
وقال محمد بن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد، عن عِكْرِمة، أو عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس :﴿بِالْغَيْبِ﴾ قال : بما جاء منه، يعني : مِنَ الله تعالى.
وقال سفيان الثوري، عن عاصم، عن زِرّ، قال : الْغَيْب القرآن.
وقال عطاء بن أبي رباح : من آمن بالله فقد آمن بالغيب.
وقال إسماعيل بن أبي خالد :﴿يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾ قال : بغيب الإسلام.
وقال زيد بن أسلم :﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾ قال : بالقدر. فكل هذه متقاربة في معنى واحد ؛ لأن جميع هذه المذكورات من الغيب الذي يجب الإيمان به.


الصفحة التالية
Icon