والمعتزلةُ لما أحالوا تمكينَ الله تعالى من الحرام لأنه منَعَ من الانتفاع به وأمرَ بالزجر عنه قالوا : الرزقُ لا يتناول الحرام، ألا ترى أنه تعالى أسند الرزقَ إلى ذاته إيذاناً بأنهم يُنفِقون من الحلال والصِّرْف، فإن إنفاقَ الحرام بمعزل من إيجاب المدح، وذمَّ المشركين على تحريم بعض ما رزقهم الله تعالى بقوله :﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَّا أَنزَلَ الله لَكُمْ مّن رّزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مّنْهُ حَرَامًا وَحَلاَلاً﴾ جعلوا الإسنادَ المذكورَ للتعظيم والتحريضِ على الإنفاق، والذمَّ لتحريم ما لم يحرّم، واختصاصَ ما رزقناهم بالحلال للقرينة.
وتمسكوا لشمول الرزق لهما بما رُوي عنه عليه السلام في حديث عَمْرو بن قرَّة حين أتاه فقال : يا رَسُول الله، إنَّ الله ( قد ) كَتَبَ عَلَيَّ الشِّقْوَةَ، فلا أرى أُرْزَقُ إلاَّ مِنْ دُفِّي بِكَفِّي، فَأْذَنْ لِي فِي الغِنَاءِ، من غيرِ فَاحِشَةٍ، من أنه قال عليه السلام :" لاَ آذَنُ لَكَ وَلاَ كَرَامةَ، ولا نُعْمَةَ ( عَيْنٍ ) كَذَبْتَ أيْ عَدُوَّ الله، والله لَقَدْ رَزَقَكَ الله حَلاَلاً طَيِّباً، فَاخْتَرْتَ ما حَرَّمَ الله عَلَيْكَ مِنْ رِزْقِهِ مَكَانَ مَا أَحَلَّ الله لَكَ مِنْ حَلاَلِهِ " وبأنه لو لم يكن الحرامُ رزقاً لم يكن المتغذي به طول عمره مرزوقاً، وقد قال الله تعالى :﴿وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأرض إِلاَّ عَلَى الله رِزْقُهَا﴾ والإنفاقُ والإنفادُ أخوانِ، خلا أن في الثاني معنى الإذهاب بالكلية دون الأول، والمرادُ بهذا الإنفاق الصَّرْفُ إلى سبيل الخير، فرضاً كان أو نفلاً، ومن فسَّر ( ه ) بالزكاة ذكر أفضلَ أنواعه الأصلَ فيه، أو خصصه بها لاقترانه بما هو شقيقُها، والجملة معطوفة على ما قبلها من الصلة، وتقديمُ المفعول للاهتمام، والمحافظةِ على رؤوس الآي، وإدخال ( من ) التبعيضية عليه للكف عن التبذير.


الصفحة التالية
Icon