وأخرج سفيان بن عيينة، وسعيد بن منصور، وأحمد بن منيع في مسنده، وابن أبي حاتم، وابن الانباري، والحاكم وصححه عن ابن مسعود، أنه قال : والذي لا إله غيره ما آمن أحد أفضل من إيمان بغيب، ثم قرأ :﴿الم * ذلك الكتاب لاَ رَيْبَ فِيهِ﴾ إلى قوله :﴿المفلحون﴾ [ البقرة : ١ ٥ ] وللتابعين أقوال،
والراجح ما تقدم من أن الإيمان الشرعي يصدق على جميع ما ذكر هنا، قال ابن جرير : والأولى أن تكونوا موصوفين بالإيمان بالغيب قولاً، واعتقاداً، وعملاً.
قال : وتدل الخشية لله في معنى الإيمان الذي هو : تصديق القول بالعمل والإيمان كلمة جامعة للإقرار بالله، وكتبه، ورسله، وتصديق الإقرار بالفعل.
وقال ابن كثير : إن الإيمان الشرعي المطلوب لا يكون إلا اعتقاداً، وقولاً، وعملاً، هكذا ذهب إليه أكثر الأئمة، بل قد حكاه الشافعي، وأحمد بن حنبل، وأبو عبيد، وغير واحد إجماعاً أن الإيمان قول، وعمل، ويزيد وينقص.
وقد ورد فيه آيات كثيرة. أ هـ ﴿فتح القدير حـ ١ صـ ٣٤ ـ ٣٥﴾
وقال فى البحر المديد :
﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ( ٣ )﴾
هذه الأوصاف تتضمن ثلاثة أعمال، الأول : عمل قلبي وهو الإيمان، والثاني : عمل بدني، وهو الصلاة، والثالث : عمل مالي، وهو الإنفاق في سبيل الله، وهذه الأعمال هي أساس التقوى التي تدور عليها.
أما العمل القلبي : فهو الإيمان أولاً، والمعرفة ثانياً، فما دام العبد محجوباً بشهود نفسه، محصوراً في الأكوان وفي هيكل ذاته فهو مؤمن بالغيب، يؤمن بوجود الحق تعالى، وبما أخبر به من أمور الغيب، يستدل بوجود أثره عليه، فإذا فني عن نفسه وتلطفت دائرة حسه، وخرجت فكرته عن دائرة الأكوان، أفضى إلى الشهود والعيان، فصار الغيب عنده شهادة، والملك ملكوتاً، والمستقبل حالاً، والآتي واقعاً، وقد قلت ذلك :


الصفحة التالية
Icon