ولما كان المراد بالنفس آدم عليه السلام وكان الزوج يقال على الذكر والأنثى، استخدم ضميره في المذكر ذاكراً علة الجعل بقوله :﴿ليسكن﴾ أي آدم هو المراد بالنفس هنا، ولما كان الزوج هنا هو المرأة أنث الضمير فقال :﴿إليها﴾ وتنقلكم من ذلك السكون منه إليها - لأن النفس إلى الجنس أميل وعليه أقبل، ولا سيما إن كان بعضاً، ألا ترى إلى محبة الوالد لولده والقريب لقريبه، وإنما منع سبحانه من نكاح الأصل والفرع لما في ذلك من الضرار وغيره من الحكم الكبار، فيغشاها عند ما يسكن إليها فيحصل الحبل والولادة فتتفرع النفوس من تلك النفس.
ولما كان السكون هنا كناية عن الجماع، أعاده بلفظ أقرب منه - فقال مؤذناً بقرب غشيانها بعد جعلها، أو ناسقاً له على ما تقديره : فسكن إليها فمالت نفسه إليها فلم يتمالك أن غشيها ﴿فلما تغشّاها﴾ أي غشيها آدم عليه السلام المعبر عنه بالنفس بهمة عظيمة ﴿حملت حملاً خفيفاً﴾ أي لأنه نطفة ﴿فمرت به﴾ أي فعالجت به أعمالها وقامت وقعدت، لم يعقها عن شيء من ذلك، إعلاماً بأن أمرها فيه كان على عادة النساء التي نعرفها ﴿فلما أثقلت﴾ أي صارت ثقيلة بكبره وتحركه في بطنها ﴿دعوا الله﴾ أي آدم وحواء عليهما السلام.
ولما ذكر الاسم الأعظم استحضاراً لأن المدعو هو الذي له جميع الكمال، فهو قادر على ما دعوا به لأنه قادر على كل ما يريد، ذكر صفة الإحسان رجاء القبول والامتنان فقال :﴿ربهما﴾ أي الذي أحسن إليهما، مقسمين ﴿لئن آتيتنا صالحاً﴾ أي ولداً لا عيب فيه ﴿لنكونن من الشاكرين﴾ أي نحن وأولادنا على نعمتك علينا، وذلك أنهما جوزا أن يكون غير سوى لقدرة الله على كل ما يريد، لأنه الفاعل المختار لا الطبيعة ولا غيرها. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٣ صـ ١٦٧ ـ ١٦٨﴾


الصفحة التالية
Icon