أول الحمل إلى آخره دون بعضٍ أصلاً، وقرىء أُثقِلت على البناء للمفعول أي أثقلها حملُها ﴿ دَّعَوَا الله ﴾ أي آدمُ وحواءُ عليهما السلام لمّا دَهِمهما أمرٌ لم يعهَداه ولم يعرِفا مآله فاهتما به وتضرّعا إليه عز وجل وقوله تعالى :﴿ رَبُّهُمَا ﴾ أي مالكَ أمرِهما الحقيقَ بأن يُخَصَّ به الدعاءُ إشارةٌ إلى أنهما قد صدّرا به دعاءَهما كما في قولهما :﴿ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا ﴾ الآية، ومتعلَّقُ الدعاءِ محذوفٌ تعويلاً على شهادة الجملةِ القسَمية به، أي دَعَواه تعالى أنه يُؤتيَهما صالحاً ووعدا بمقابلته الشكرَ على سبيل التوكيدِ القسَميِّ وقالا أو قائلين :
﴿ لَئِنْ ءاتَيْتَنَا صالحا ﴾ أي ولداً من جنسنا سوياً ﴿ لَنَكُونَنَّ ﴾ نحن ومن يتناسل من ذريتنا ﴿ مِنَ الشاكرين ﴾ الراسخين في الشكر على نعمائك التي من جملتها هذه النعمةُ، وترتيبُ هذا الجوابِ على الشرط المذكورِ لما أنهما قد علما أن ما علّقا به دعاءَهما أُنموذَجٌ لسائر أفرادِ الجنسِ ومعيارٌ لها ذاتاً وصفةَ وجودُه مستتبعٌ لوجودها وصلاحُه مستلزِمٌ لصلاحها فالدعاءُ في حقه متضمنٌ للدعاء في حق الكل مستتبِعٌ له كأنهما قالا : لئن آتيتنا وذريتَنا أولاداً صالحة، وقيل : إن ضميرَ آتيتَنا أيضاً لهما ولكل من يتناسل من ذريتهما فالوجهُ ظاهرٌ، وأنت خبيرٌ بأن نظمَ الكل في سلك الدعاءِ أصالةً يأباه مقام المبالغةِ في الاعتناء بشأن ما هما بصدده، وأما جعلُ ضميرِ لنكونن للكل فلا محذورَ فيه لأن توسيعَ دائرةِ الشكر غيرُ مُخِلَ بالاعتناء المذكور بل مؤكدٌ له. أ هـ ﴿تفسير أبى السعود حـ ٣ صـ ﴾