وقال القرطبى :
﴿ فَلَمَّآ آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَكَآءَ فِيمَآ آتَاهُمَا ﴾
واختلف العلماء في تأويل الشرك المضاف إلى آدم وحواء، وهي :
الثالثة قال المفسرون : كان شِرْكاً في التسمية والصفة، لا في العبادة والربوبية.
وقال أهل المعاني : إنهما لم يذهبا إلى أن الحارث ربهما بتسميتهما ولدهما عبد الحارث، لكنهما قصدا إلى أن الحارث كان سبب نجاة الولد فسمّياه به كما يسمِّي الرجل نفسه عبد ضيفه على جهة الخضوع له، لا على أن الضيف ربُّه ؛ كما قال حاتم :
وإني لَعبد الضّيف ما دام ثاوياً...
وما فيّ إلاّ تِيكَ من شِيمة العبدِ
وقال قوم : إن هذا راجع إلى جنس الآدميين والتبيين عن حال المشركين من ذرّية آدم عليه السلام، وهو الذي يُعوَّل عليه.
فقوله :﴿ جَعَلاَ لَهُ ﴾ يعني الذكر والأُنثى الكافرين، ويُعنى به الجنسان.
ودلّ على هذا ﴿ فَتَعَالَى الله عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ ولم يقل يشركان.
وهذا قولٌ حسنٌ.
وقيل : المعنى "هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ" من هيئة واحدة وشكل واحد "وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا" أي من جنسها "فَلَمَّا تَغَشَّاهَا" يعني الجنسين.
وعلى هذا القول لا يكون لآدم وحوّاء ذكر في الآية ؛ فإذا آتاهما الولد صالحاً سليماً سوِياً كما أراداه صرفاه عن الفِطرة إلى الشرك، فهذا فعل المشركين.
قال ﷺ :" ما من مولود إلا يولد على الفطرة في رواية على هذه الملة أبواه يُهَوِّدانِه ويُنَصِّرانه ويُمَجِّسانِه " قال عكرمة : لم يخص بها آدم، ولكن جعلها عامة لجميع الخلق بعد آدم.
وقال الحسين بن الفضل : وهذا أعجب إلى أهل النظر ؛ لما في القول الأول من المضاف من العظائم بنبيّ الله آدم.
وقرأ أهل المدينة وعاصم "شِرْكاً" على التوحيد.
وأبو عمرو وسائر أهل الكوفة بالجمع، على مثل فُعَلاَءَ، جمع شريك.


الصفحة التالية
Icon