واختار غير واحد أن في جعلا وآتاهما بعد مضافاً محذوفاً وضمير التثنية فيهما لآدم وحواء على طرز ما قيل أي جعل أولادهما فيما آتى أولادهما من الأولاد وإنما قدروه في موضعين ولم يكتفوا بتقديره في الأول وإعادة الضمير من الثاني على المقدر أولاً لأن الحذف لم تقم عليه قرينة ظاهرة فهو كالمعدوم فلا يحسن عود الضمير عليه، والمراد بالشرك فيما آتى الأولاد تسمية كل واحد من أولادهم بنحو عبد العزي وعبد شمس.
واعترض أولاً : بأن ما ذكر من حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه إنما يصار إليه فيما يكون للفعل ملابسة ما بالمضاف إليه أيضاً بسرايته إليه حقيقة أو حكماً ويتضمن نسبته إليه صورة مزية يقتضيها المقام كما في قوله تعالى :﴿ وَإِذْ أنجيناكم مّنْ ءالِ فِرْعَونَ ﴾ [ الأعراف : ١٤١ ] الآية فإن الانجاء منهم مع أن تعلقه حقيقة ليس إلا بأسلاف اليهود وقد نسب إلى أخلافهم بحكم سرايته إليهم توفية لمقام الامتنان حقه وكذا يقال في نظائره وهنا ليس كذلك إذ لا ريب في أن آدم وحواء عليهما السلام بريئان من سراية الجعل المذكور إليهما بوجه من الوجوه فلا وجه لإسناده إليهما صورة، وثانياً : بأن إشاركهم بإضافة أولادهم بالعبودية إلى أصنامهم من لازم اتخاذ تلك الأصنام آلهة ومتفرع له لا أمر حدث عنهم لم يكن قبل فينبغي أن يكون التوبيخ على هذا دون ذلك، وثالثاً : بأن إشراك أولادهما لم يكن حين آتاهما الله تعالى صالحاً بل بعده بأزمنة متطاولة، ورابعاً : بأن إجراء جعلا على غير ما أجري عليه الأول والتعقيب بالفاء يوجب اختلال النظم الكريم.


الصفحة التالية
Icon