والكلام للمؤمنين لأنه يريد أن يعطي لقطتين في الآية، اللقطة الأولى : أن ينكر ما فعله هؤلاء، وأن يزيد القوم الذين لم يفعلوا ثقة في نفوسهم، وفرحة بمواقفهم الإيمانية، حيث لم يكونوا مثل هؤلاء ﴿ أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ ﴾.
وفي الآية الكريمة وقفة لفظية في الأسلوب العربي نفسه قد تثير عند البعض إشكالا، في قوله تعالى :﴿ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً ﴾. و " ما " تعني الذي لم يخلق شيئاً، و " يخلق " هنا للمفرد، وسبحانه وتعالى جعل للمفرد هنا عمل الجمع فقال :﴿ أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً ﴾.
وأقول : إن الذي يقف هذه الوقفة، ويلاحظ هذا الملحظ إنسان سطحي الثقافة بالعربية، لأنه لا يعلم أن " ما " و " من " و " ال " تطلق على المفرد والمفردة، وعلى المثنى والمثناة، وعلى جمع الذكور وجمع الإناث، فتقول : جاءني من أكرمته، وجاءتني من أكرمتها، وجاءني من أكرمتهما، وجاءت من أكرمتهما، وجاء من أكرمتهم وجاء من أكرمتهن.
وكذلك " ما ". إذن فقول الحق :﴿ مَا لاَ يَخْلُقُ ﴾ في ظاهرها مفرد، ولكن اللفظ يطلق على المفرد والجماعة ؛ لذلك جاء في الأمر الثاني وراعى الجماعة، إذن " يخلق " للمفرد، و " هم يخلقون " للجمع لأن قوله :" ما " صالح للجميع أي للمفرد وللمثنى وللجمع وللمذكر وللمؤنث.
ومثال ذلك قول الحق تبارك وتعالى :﴿ وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حتى إِذَا خَرَجُواْ مِنْ عِندِكَ... ﴾ [ محمد : ١٦ ].


الصفحة التالية
Icon