فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا أَيْ: فَلَمَّا أَعْطَاهُمَا وَلَدًا صَالِحًا لَا نَقْصَ فِي خَلْقِهِ، وَلَا فَسَادَ فِي تَرْكِيبِهِ، جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِي إِعْطَائِهِ أَوْ فِيمَا أَعْطَاهُ بِأَنْ كَانَ سَبَبًا لِوُقُوعِ الشِّرْكِ مِنْهُمَا، أَوْ ظُهُورِ مَا هُوَ رَاسِخٌ فِي أَنْفُسِهِمَا مِنْهُ، وَسَنُبَيِّنُ مَعْنَاهُ، وَقَرَأَ نَافِعٌ وَأَبُو بَكْرٍ (جَعَلَا لَهُ شِرْكًا) أَيْ شَرِكَةً أَوْ ذَوِي شِرْكٍ، فَالْمَعْنَى وَاحِدٌ.
فَتَعَالَى الله عَمَّا يُشْرِكُونَ أَيْ: تَعَالَى شَأْنُهُ عَنْ شِرْكِهِمْ ; فَإِنَّهُ هُوَ مُعْطِي النَّسْلِ بِمَا خَلَقَهُ لِكُلٍّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ مِنْ أَعْضَاءٍ، وَقَدَّرَ لَهُمَا فِي الْعُلُوقِ وَالْوَضْعِ مِنْ أَسْبَابٍ، لَا فِعْلَ لِغَيْرِهِ فِي ذَلِكَ أَلْبَتَّةَ، وَجَمَعَ الضَّمِيرَ هُنَا بَعْدَ تَثْنِيَتِهِ الْأَفْعَالَ قَبْلَهُ ; لِأَنَّ الْمُرَادَ فِيهِ بِالزَّوْجَيْنِ الْجِنْسُ لَا فَرْدَيْنِ مُعَيَّنَيْنِ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ : إِنَّ الضَّمِيرَ فِي (آتَيْتَنَا) وَ (لَنَكُونَنَّ) لَهُمَا وَلِكُلِّ مَنْ يَتَنَاسَلُ مِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا. وَالْآيَةُ عَلَى كُلٍّ مِنَ الْقَوْلَيْنِ بَيَانٌ لِحَالِ الْبَشَرِ فِيمَا طَرَأَ عَلَيْهِمْ مِنْ نَزَغَاتِ الشِّرْكِ الْخَفِيِّ وَالْجَلِيِّ فِي هَذَا الشَّأْنِ وَأَمْثَالِهِ، وَالْجِنْسُ يَصْدُقُ بِبَعْضِ أَنْوَاعِهِ وَبِبَعْضِ أَفْرَادِهِ.