كُنْتُ قَرَأْتُ مُنْذُ سِنِينَ جُلَّ مَا قَالَ الْمُفَسِّرُونَ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَاتِ مِنْ كُتُبِهِمُ الَّتِي بَيْنَ أَيْدِينَا مِنْ مَأْثُورٍ وَغَيْرِهِ، وَمَا أَوْرَدُوهُ فِيهَا مِنَ الْإِشْكَالِ، وَمَا لَهُمْ مِنَ الْجَوَابِ عَنْهُ وَالتَّفَصِّي مِنْهُ مِنْ أَقْوَالٍ، وَلَمَّا أَرَدْتُ كِتَابَةَ تَفْسِيرِهَا الْآنَ لَمْ أَجِدْ مِمَّا فِي ذِهْنِي مِنْهُ شَيْئًا مُرْضِيًا يَطْمَئِنُّ بِهِ قَلْبِي، فَتَوَجَّهْتُ إِلَى اللهِ تَعَالَى، وَفَكَّرْتُ فِي مَعْنَاهَا الَّذِي يُعْطِيهِ الْأُسْلُوبُ الْعَرَبِيُّ، وَيَنْطَبِقُ عَلَى سُنَّةِ اللهِ فِي الْبَشَرِ، وَفِي بَيَانِ كِتَابِهِ لِحَقَائِقِ أَحْوَالِهِمْ، فَكَّرْتُ فِي ذَلِكَ قَبْلَ النَّوْمِ وَأَنَا فِي فِرَاشِي، ثُمَّ كَتَبْتُ مَا تَقَدَّمَ فِي آخِرِ النَّهَارِ، ثُمَّ بَحَثْتُ فِيمَا عِنْدِي مِنْ كُتُبِ التَّفْسِيرِ; لِأَكْتُبَ خُلَاصَةَ مَا قِيلَ فِيهَا، وَأَنْظُرَ فِيمَا عَسَاهُ يُؤَيِّدُهُ، وَأُجِيبُ عَمَّا رُبَّمَا يُفَنِّدُهُ، فَإِذَا أَنَا بِصَاحِبِ الِانْتِصَافِ يَقُولُ بَعْدَ ذِكْرِ مَا نَقَلْنَاهُ آنِفًا مِنْ كَلِمَةِ الزَّمَخْشَرِيِّ فِي ضَمِيرَيِ الْجَمْعِ مَا نَصُّهُ : وَأَسْلَمُ مِنْ هَذَيْنِ التَّفْسِيرَيْنِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ جِنْسَيِ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى لَا يُقْصَدُ فِيهِ إِلَى مُعَيَّنٍ، وَكَأَنَّ الْمَعْنَى وَاللهُ أَعْلَمُ : خَلَقَكُمْ جِنْسًا وَاحِدًا وَجَعَلَ أَزْوَاجَكُمْ مِنْكُمْ أَيْضًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهِنَّ، فَلَمَّا تَغَشَّى الْجِنْسُ الَّذِي هُوَ الذَّكَرُ الْجِنْسَ الْآخَرَ وَإِنْ كَانَ فِيهِمُ الْمُوَحِّدُونَ ; لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ مِنْهُمْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (١٩ : ٦٦) قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا


الصفحة التالية
Icon