ولما كان قد أشار إلى ثقل الساعة بالإرساء، وكان الشيء إذا جهل من بعض الوجوه أشكل وإذا أشكل ثقل، قال :﴿ثقلت﴾ أي الساعة فغاصت إلى حيث لم يتغلغل إليها علم العباد فأهمهم كلهم عليّ شأنها، ولذلك عبر بالظرف فقال :﴿في السماوات والأرض﴾ أي نسبة أهلهما إلى خفائها والخوف منها على حد سواء لأن مالكها قادر على ما يشاء، وله أن يفعل ما يشاء - ثم قرر خفاءها على الكل فقال :﴿لا تأتيكم﴾ أي في حالة من الحالات ﴿إلا بغتة﴾ أي على حين غفلة.
ولما كانوا قد ألحفوا في سؤاله ـ ﷺ ـ عنها، وكانت صفة الربوبية المذكورة في الجملة الأولى ربما حملت على سؤاله طمعاً في تعرفها من المحسن إليه، قطع الأطماع بقوله مؤكداً للمعنى :﴿يسئلونك﴾ أي عن الساعة مطلقاً في وقت وقوعها وما يحصل من أمورها ويحدث من شدائدها، أي ويلحفون في سؤالك كلما أخبرتهم أنه لا يعلمها إلا الله ﴿كأنك حفيٌّ﴾ أي عالم بأمرها مستقص مبالغ في السؤال ﴿عنها قل﴾ أي قطعاً لسؤالهم ﴿إنما علمها عند الله﴾ أي الذي له جميع العزة والعظمة والكبرياء فلا يستطاع علم شيء مما عنده إلا بإذنه، ولم يأذن في علمها لأحد من الخلق ﴿ولكن أكثر الناس﴾ أي الذين غلبت عليهم صفة الاضطراب ﴿لا يعلمون﴾ أي ليسوا من أهل العلم فهم بالسؤال عنها يستهزئون، ولو كانوا من أهله ما كذبوك، فوقعوا ما لا يعنيهم من السؤال عنها وغيره من أنواع التعنت، وتركوا ما ينجيهم ويغنيهم من المبادرة إلى الإيمان بهذا القرآن خوف انخرام الآجال وهم يهيمون في أدوية الضلال. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٣ صـ ١٦٥ ـ ١٦٦﴾


الصفحة التالية
Icon