الثاني : المراد لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً فيما يتصل بعلم الغيب، والدليل على أن المراد ذلك قوله :﴿وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الغيب لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الخير﴾ الثالث : المراد : لا أملك لنفسي من الضر والنفع إلا قدر ما شاء الله أن يقدرني عليه ويمكنني منه، والمقصود من هذا الكلام بيان أنه لا يقدر على شيء إلا إذا أقدره الله عليه.
واعلم أن هذه الوجوه بأسرها عدول عن ظاهر اللفظ، وكيف يجوز المصير إليه مع أنا أقمنا البرهان القاطع العقلي على أن الحق ليس إلا ما دل عليه ظاهر لفظ هذه الآية، والله أعلم.
المسألة الثالثة :
احتج الرسول ﷺ على عدم علمه بالغيب بقوله :﴿وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الغيب لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الخير﴾ واختلفوا في المراد من هذا الخير.
فقيل المراد منه : جلب منافع الدنيا وخيراتها، ودفع آفاتها ومضراتها، ويدخل فيه ما يتصل بالخصب والجدب والأرباح والأكساب.
وقيل : المراد منه ما يتصل بأمر الدين، يعني : لو كنت أعلم الغيب كنت أعلم أن الدعوى إلى الدين الحق تؤثر في هذا ولا تؤثر في ذاك، فكيف اشتغل بدعوة هذا دون ذاك.
وقيل : المراد منه : ما يتصل بالجواب عن السؤالات، والتقدير : لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير.
والجواب : عن هذه المسائل التي سألوه عنها مثل السؤال عن وقت قيام الساعة وغيره.
أما قوله :﴿وَمَا مَسَّنِىَ السوء﴾ ففيه قولان :
القول الأول : قال الواحدي رحمه الله : تم الكلام عند قوله :﴿وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الغيب لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الخير﴾ ثم قال :﴿وَمَا مَسَّنِىَ السوء﴾ أي ليس بي جنون، وذلك لأنهم نسبوه إلى الجنون كما ذكرنا في قوله :﴿مَا بِصَاحِبِهِم مّن جِنَّةٍ﴾ وهذا القول عندي بعيد جداً ويوجب تفكك نظم الآية.
والقول الثاني : إنه تمام الكلام الأول، والتقدير : ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من تحصيل الخير، ولاحترزت عن الشر حتى صرت بحيث لا يمسني سوء.