وقال القرطبى :
﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (١٩٩) ﴾
فيه ثلاث مسائل :
الأولى هذه الآية من ثلاث كلمات، تضمنت قواعد الشريعة في المأمورات والمنهيات.
فقوله :﴿ خُذِ العفو ﴾ دخل فيه صلة القاطعين، والعفو عن المذنبين، والرفق بالمؤمنين، وغير ذلك من أخلاق المطيعين.
ودخل في قوله :﴿ وَأْمُرْ بالعرف ﴾ صلةُ الأرحام، وتقوى الله في الحلال والحرام، وغَضّ الأبصار، والإستعداد لدار القرار.
وفي قوله :﴿ وَأَعْرِضْ عَنِ الجاهلين ﴾ الحَضُّ على التعلّق بالعلم، والإعراض عن أهل الظلم، والتنزه عن منازعة السفهاء.
ومساواة الجهلة الأغبياء، وغير ذلك من الأخلاق الحميدة والأفعال الرشيدة.
قلت : هذه الخصال تحتاج إلى بسط، وقد جمعها رسول الله ﷺ لجابر بن سليم.
" قال جابر بن سليم أبو جُرَىّ : ركبت قَعودي ثم أتيت إلى مكة فطلبت رسول الله ﷺ، فأنخت قعودي بباب المسجد، فدلُّوني على رسول الله ﷺ، فإذا هوجالس عليه بُرْد من صوف فيه طرائقُ حُمر ؛ فقلت : السلام عليك يا رسول الله.
فقال :"وعليك السلام".
فقلت : إنّا معشر أهل البادية، قوم فينا الجفاء ؛ فعلِّمني كلماتٍ ينفعني الله بها.
قال :"ادن" ثلاثاً، فدنوت فقال :"أعِد عليّ" فأعدت عليه فقال :"اتق الله ولا تحقرنّ من المعروف شيئاً وأن تلقى أخاك بوجه منبسط وأن تُفرِغ من دَلْوك في إناء المستسقي وإن امرؤ سبّك بما لا يعلم منك فلا تُسبّه بما تعلم فيه فإن الله جاعل لك أجراً وعليه وِزْراً ولا تسبّن شيئاً مما خَوّلك الله تعالى".
قال أبو جُرَى : فوالذي نفسي بيده، ما سبَبْت بعده شاة ولا بعيراً " أخرجه أبو بكر البزار في مسنده بمعناه.


الصفحة التالية
Icon