قلت : وقد روي عن نبينا محمد ﷺ أنه قال :" أمرني ربي بتسعٍ الإخلاص في السر والعلانية والعدل في الرضا والغضب والقصد في الغنى والفقر وأن أعفو عمن ظلمني وأصل من قطعني وأعطي من حرمني وأن يكون نطقي ذكراً وصمتي فكراً ونظري عبرة " وقيل : المراد بقوله :"خُذِ الْعَفْوَ" أي الزكاة ؛ لأنها يسير من كثير.
وفيه بعدٌ ؛ لأنه من عفا إذا دَرَس.
وقد يقال : خذ العفو منه، أي لا تنقص عليه وسامحه.
وسبب النزول يردّه، والله أعلم.
فإنه لما أمره بمحاجّة المشركين دله على مكارم الأخلاق، فإنها سبب جرّ المشركين إلى الإيمان.
أي اقبل من الناس ما عفا لك من أخلاقهم وتيسر ؛ تقول : أخذت حقي عَفْواً صَفْواً، أي سهلاً.
الثانية قوله تعالى :﴿ وَأْمُرْ بالعرف ﴾ أي بالمعروف.
وقرأ عيسى بن عمر "العُرُف" بضمتين ؛ مثل الحُلُم ؛ وهما لغتان.
والعُرْف والمَعْرُوف والعَارِفَة : كل خصلة حسنة ترتضيها العقول، وتطمئن إليها النفوس.
قال الشاعر :
من يفعل الخير لا يَعْدَم جَوازِيَه...
لا يذهب العُرْف بين الله والناس
وقال عطاء :﴿ وَأْمُرْ بالعرف ﴾ يعني بلا إله إلا الله.
الثالثة قوله تعالى :﴿ وَأَعْرِضْ عَنِ الجاهلين ﴾ أي إذا أقمت عليهم الحجة وأمرتهم بالمعروف فجهلوا عليك فاعرض عنهم ؛ صيانة له عليهم ورفعاً لقدره عن مجاوبتهم.
وهذا وإن كان خطاباً لنبيه عليه السلام فهو تأديب لجميع خلقه.
وقال ابن زيد وعطاء : هي منسوخة بآية السيف.
وقال مجاهد وقتادة : هي مُحْكَمة ؛ وهو الصحيح لما رواه البخاري عن عبد الله بن عباس قال : قدم عُيَيْنَة بن حِصن بن حذيفة بن بَدْر فنزل على ابن أخيه الحرّ ابن قيس بن حِصن، وكان من النفر الذين يُدنِيهم عُمَرُ، وكان القراءُ أصحابَ مجالِس عمر ومشاورته، كُهولاً كانوا أو شُبّاناً.
فقال عُيَيْنَة لابن أخيه : يا بن أخي، هل لك وجه عند هذا الأمير، فتستأذن لي عليه.


الصفحة التالية
Icon