بَعْضًا بِذَلِكَ مِنْ أَوَّلِ الْعَهْدِ بِالتَّلَاقِي، بِمَا يَتَوَسَّمُونَ مِنْ مَلَامِحِ الْوَجْهِ وَمَعَارِفِهِ، ثُمَّ مِنْ مَوْضُوعِ الْحَدِيثِ وَتَأْثِيرِهِ فِي نَفْسِ الْمُتَكَلِّمِ وَالسَّامِعِ، ثُمَّ يَكْمُلُ ذَلِكَ بِالْمُعَاشَرَةِ. كَمَا يَعْرِفُونَ حَالَ الْأَشْرَارِ وَالْمُنَافِقِينَ بِذَلِكَ وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ (٤٧ : ٣٠) بِهَذِهِ الْبَصِيرَةِ النَّيِّرَةِ عَرَفَتِ السَّيِّدَةُ خَدِيجَةُ فُضْلَى عَقَائِلِ قُرَيْشٍ فَضَائِلَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَبْلَ بَعْثَتِهِ، فَاسْتَمَالَتْهُ وَخَطَبَتْهُ لِنَفْسِهَا عَلَى غِنَاهَا وَفَقْرِهِ، بَعْدَ أَنْ رَفَضَتْ أُنَاسًا مِنْ كُبَرَاءِ قُرَيْشٍ خَطَبُوهَا بَعْدَ مَوْتِ زَوْجِهَا الْأَوَّلِ، ثُمَّ كَانَتْ أَوَّلَ مَنْ جَزَمَ بِرِسَالَتِهِ عِنْدَمَا حَدَّثَهَا بِأَوَّلِ مَا رَآهُ مِنْ بَدْءِ الْوَحْيِ وَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْهُ، وَقَدْ كَانَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَوَّلَ رَجُلٍ دَعَاهُ الرَّسُولُ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ إِلَى الْإِسْلَامِ بِحُسْنِ فَرَاسَتِهِ فِيهِ، فَلَمْ يَتَوَقَّفْ وَلَمْ يَتَمَكَّثْ وَلَمْ يَتَرَيَّثْ أَنْ أَجَابَ الدَّعْوَةَ مُنْشَرِحَ الصَّدْرِ قَرِيرَ الْعَيْنِ ; لِأَنَّهُ كَانَ أَجْدَرَ النَّاسِ بِمَعْرِفَةِ حَقِيقَتِهَا وَحَقِيقَةِ مَنْ دَعَا إِلَيْهَا. وَأَمْثِلَةُ هَذَا كَثِيرَةٌ فِي كُلِّ زَمَانٍ. وَكَانَ أَظْهَرُهَا فِي قَرْنِنَا هَذَا تَعَلُّقُ الشَّيْخِ مُحَمَّدِ عَبْدُهُ بِالسَّيِّدِ جَمَالِ الدِّينِ الْأَفْغَانِيِّ مِنْ أَوَّلِ لَيْلَةٍ رَآهُ فِيهَا. وَلِزَامُهُ إِلَى أَنْ فَارَقَ هَذِهِ الدِّيَارَ، فَلَمْ يَعْرِفْهُ حَقَّ الْمَعْرِفَةِ غَيْرُهُ


الصفحة التالية
Icon