وقال أبو حيان :
﴿ إن الذين اتقوا إذا مسّهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون ﴾
النزغ من الشيطان أحفّ من مس الطائف من الشيطان لأن النزغ أدنى حركة والمس الإصابة والطائف ما يطوف به ويدور عليه فهو أبلغ لا محالة فحال المتقين تزيد في ذلك على حال الرسول، وانظر لحسن هذا البيان حيث جاء الكلام للرسول كان الشرط بلفظ إن المحتملة للوقوع ولعدمه، وحيث كان الكلام للمتقين كان المجيء بإذا الموضوعة للتحقيق أو للترجيح، وعلى هذا فالنزغ يمكن أن يقع ويمكن أن لا يقع والمسّ واقع لا محالة أو يرجح وقوعه وهو إلصاق البشرة وهو هنا استعارة وفي تلك الجملة أمر هو ( ﷺ ) بالاستعاذة، وهنا جاءت الجملة خبريّة في ضمنها الشرط وجاء الخبر تذكروا فدلّ على تمكن مسّ الطائف حتى حصل نسيان فتذكروا ما نسوه والمعنى تذكروا ما أمر به تعالى وما نهى عنه، وبنفس التذكر حصل إبصارهم فاجأهم إبصار الحقّ والسداد فاتبعوه وطروا عنهم مسّ الشيطان الطائف، و﴿ اتقوا ﴾ قيل : عامّة في كل ما يتقى، وقيل : الشرك والمعاصي، وقيل : عقاب الله، وقرأ النحويان وابن كثير : طيف فاحتمل أن يكون مصدراً من طاف يطيف طيفاً أنشد أبو عبيدة :
أني ألمّ بك الخيال يطيف...
ومطابه لك ذكره وشغوف
واحتمل أن يكون مخفّفاً من طيف كميت وميت أو كلين من لين لأنّ طاف المشددة يحتمل أن يكون من طاف يطيف ويحتمل أن يكون من طاف يطوف، وقرأ باقي السبعة ﴿ طائف ﴾ اسم فاعل من طاف، وقرأ ابن جبير طيف بالتشديد وهو فيعل وإلى أن الطيف مصدر مال الفارسي جعل الطيف كالخطرة والطائف كالخاطر، وقال الكسائي : الطيف اللمم والطائف ما طاف حول الإنسان.
قال ابن عطية : وكيف هذا؟ وقد قال الأعشى :
وتصبح عن غب السّرى وكأنها...
ألمّ بها من طائف الجن أولق
انتهى.