وقال القرطبى :
ثم وَبّخهم الله تعالى وسَفّه عقولهم فقال :﴿ أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ﴾ الآية.
أي أنتم أفضل منهم فكيف تعبدونهم.
والغرض بيان جهلهم ؛ لأنّ المعبود يتصف بالجوارح.
وقرأ سعيد بن جبير :"إن الذين تدعون من دون الله عباداً أمثالكم" بتخفيف "إن" وكسرها لالتقاء الساكنين، ونصب "عبَاداً" بالتنوين، "أمثالَكم" بالنصب.
والمعنى : ما الذين تدعون من دون الله عباداً أمثالكم، أي هي حجارة وخشب ؛ فأنتم تعبدون ما أنتم أشرف منه.
قال النحاس : وهذه قراءة لا ينبغي أن يقرأ بها من ثلاث جهات : أحدها أنها مخالفة للسّواد.
والثانية أن سيبويه يختار الرفع في خبر إنْ إذا كانت بمعنى ما، فيقول : إنْ زيد منطلق ؛ لأن عمل "ما" ضعيف، و "إنْ" بمعناها فهي أضعف منها.
والثالثة إن الكسائيّ زعم أن "إنْ" لا تكاد تأتي في كلام العرب بمعنى "ما"، إلا أن يكون بعدها إيجاب ؛ كما قال عز وجل :﴿ إِنِ الكافرون إِلاَّ فِي غُرُورٍ ﴾.
"فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ" الأصل أن تكون اللام مكسورة، فحذفت الكسرة لثقلها.
ثم قيل : في الكلام حذف، المعنى : فادعوهم إلى أن يتّبعوكم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين أنهم آلهة.
وقرأ أبو جعفر وشيبة ﴿ أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَآ ﴾ بضم الطاء، وهي لغة.
واليد والرجل والأُذن مؤنثات يُصَغَّرْن بالهاء.
وتزاد في اليد ياء في التصغير، تردّ إلى أصلها فيقال : يُدَيّة بالتشديد لاجتماع الياءين.
قوله تعالى :﴿ قُلِ ادعوا شُرَكَآءَكُمْ ﴾ أي الأصنام.
﴿ ثُمَّ كِيدُونِ ﴾ أنتم وهي.
﴿ فَلاَ تُنظِرُونِ ﴾ أي فلا تؤخرون.
والأصل "كِيدُونِي" حذفت الياء لأن الكسرة تدل عليها.
وكذا "فَلاَ تُنْظِرُونِ".
والكيد المكر.
والكيد الحرب ؛ يقال : غزا فلم يلق كيداً. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٧ صـ ﴾