وقال أبو حيان :
﴿ وإذا لم تأتهم بآية قالوا لولا اجتبيتها ﴾.
روى أنّ الوحي كان يتأخر عن النبي ( ﷺ ) أحياناً فكان الكفار يقولون : هلا اجتبيتها ومعنى اللفظة في كلام العرب تخيرتها واصطفيتها، وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن زيد وغيرهم : المراد هلا اخترعتها واختلقتها من قبلك ومن عند نفسك والمعنى أنّ كلامك كله كذلك على ما كانت قريش تدعيه كما قالوا ﴿ هذا إلا إفك مفترى ﴾، قال الفرّاء تقول العرب اجتبيت الكلام واختلقته وارتجلته إذا افتعلته من قبل نفسك، وقال الزمخشري : اجتبى الشيء بمعنى جباه لنفسه أي جمعه كقوله اجتمع أو جبى إليه فاجتباه أي أخذه كقولك : جليت العروس إليه فاجتلاها والمعنى هلا اجتمعتها افتعالاً من قبل نفسك، وقال ابن عباس أيضاً والضحاك : هلا تلقيتها، وقال الزمخشري هلاّ أخذتها منزلة عليك مقترحة انتهى، وهذا القول منهم من نتائج الإمداد في الغيّ كانوا يطلبون آيات معينة على سبيل التعنّت كقلب الصفا ذهباً وإحياء الموتى وتفجير الأنهار وكم جاءتهم من آية فكذبوا بها واقترحوا غيرها.
﴿ قل إنما أتبع ما يِوحى إلي من ربي ﴾ بيّن أنه ليس مجيء الآيات إليه إنما هو متبع ما أوحاه الله تعالى إليه ولست بمفتعلها ولا مقترحها.
﴿ هذا بصائر من ربكم ﴾ أي هذا الموحى إليّ الذي أنا أتبعه لا أبتدعه وهو القرآن ﴿ بصائر ﴾ أي حجج وبينات يبصر بها وتتضح الأشياء الخفيّات وهي جمع بصيرة كقوله ﴿ على بصيرة أنا ومن اتبعني ﴾ أي على أمر جليّ منكشف وأخبر عن المفرد بالجمع لاشتماله على سور وآيات، وقيل : هو على حذف مضاف أي ذو بصائر.


الصفحة التالية
Icon