وقال أبو السعود :
قوله تعالى :﴿ أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا ﴾ الخ
تبكيتٌ إثرَ تبكيتٍ مؤكدٌ لما يفيده الأمرُ التعجيزيُّ من عدم الاستجابةِ ببيان فُقدانِ آلاتِها بالكلية فإن الاستجابةَ من الهياكل الجُسمانية إنما تُتصوّر إذا كان لها حياةٌ وقُوىً محرّكة ومُدركة وما ليس له شيءٌ من ذلك فهو بمعزل من الأفاعيل بالمرة كأنه قيل : ألهم هذه الآلاتُ التي بها تتحقق الاستجابةُ حتى يمكن استجابتُهم لكم؟ وقد وجه الإنكار إلى كل واحدةٍ من هذه الآلات الأربعِ على حدة تكريراً للتبكيت وتثنيةً للتقريع وإشعاراً بأن انتفاءَ كلِّ واحدةٍ منها بحيالها كافٍ في الدلالة على استحالةِ الاستجابة، ووصفُ الأرجلِ بالمشي بها للإيذان بأن مدارَ الإنكارِ هو الوصفُ وإنما وُجّه إلى الأرجلِ لا إلى الوصف بأن يقال : أيمشون بأرجلهم؟ لتحقيق أنها حيث لم يظهر منها ما يظهر من سائر الأرجلِ فهي ليست بأرجل في الحقيقة وكذا الكلامُ فيما بعده من الجوارحِ الثلاثِ الباقية، وكلمةُ أم في قوله تعالى :﴿ أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا ﴾ منقطعةٌ، وما فيها من الهمزة لما مر من التبكيت والإلزامِ وبل للإضراب المفيدِ للانتقال من فنّ من التبكيت بعد تمامِه إلى فن آخرَ منه لما ذُكر من المزايا، والبطشُ الآخذُ بقوة، وقرىء يبطُشون بضم الطاء وهي لغة فيه والمعنى : بل ألهم أيدٍ يأخُذون بها ما يريدون أخذَه؟ وتأخيرُ هذا عما قبله لما أن المشيَ حالُهم في أنفسهم والبطشَ حالُهم بالنسبة إلى الغير، وأما تقديمُه على قوله تعالى :﴿ أَمْ لَهم أَعْينٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ﴾ مع أن الكل سواءٌ في أنها من أحوالهم بالنسبة إلى الغير فلمراعاة المقابلةِ بين الأيدي والأرجل، ولأن انتفاءَ المشي والبطشِ أظهرُ والتبكيتَ بذلك أقوى، وأما تقديمُ الأعينِ فلما أنها أشهرُ من الآذان وأظهرُ عيناً وأثراً.


الصفحة التالية
Icon