أما القرآن فقوله في سورة الأنعام ﴿قُلْ مَن يُنَجّيكُمْ مّن ظلمات البر والبحر تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً﴾ [ الأنعام : ٦٣ ] وأما المعقول : فلأن كمال حال الإنسان إنما يحصل بانكشاف أمرين : أحدهما : عزة الربوبية، وهذا المقصود، إنما يتم بقوله :﴿واذكر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ﴾ الثاني : بمشاهدة ذلة العبودية وذلك إنما يكمل بقوله :﴿تَضَرُّعًا﴾ فالانتقال من الذكر إلى التضرع يشبه النزول من المعراج، والانتقال من التضرع إلى الذكر يشبه الصعود، وبهما يتم معراج الأرواح القدسية وههنا بحث وهو أن معرفة الله من لوازمها التضرع، والخوف، والذكر القلبي يمتنع انفكاكه عن التضرع والخوف، فما الفائدة في اعتبار هذا التضرع والخوف ؟ وأجيب عنه بأن المعرفة لا يلزمها التضرع والخوف على الإطلاق، لأنه ربما استحكم في عقل الإنسان أنه تعالى لا يعاقب أحداً لأن ذلك العقاب إيذاء للغير، ولا فائدة للحق فيه.
وإذا كان كذلك لا يعذب فإذا اعتقد هذا، لم يكمل التضرع والخوف.
فلهذا السبب نص الله تعالى على أنه لا بد منه وأجيب عنه بأن الخوف على قسمين : الأول : خوف العقاب، وهو مقام المبتدين.
والثاني : خوف الجلال وهو مقام المحققين، وهذا الخوف ممتنع الزوال وكل من كان أعرف بجلال الله كان هذا الخوف في قلبه أكمل، وأجيب عن هذا الجواب بأن لأصحاب المكاشفات مقامين : مكاشفة الجمال، ومكاشفة الجلال، فإذا كشفوا بالجمال عاشوا، وإذا كوشفوا بالجلال طاشوا، ولا بد في مقام الذكر من رعاية الجانبين.
القيد الثالث : قوله :﴿وَخِيفَةً﴾ وفي قراءة أخرى ﴿وَخُفْيَةً﴾ وقال الزجاج : أصلها "خوفة" فقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها، أقول هذا الخوف يقع على وجوه : أحدها : خوف التقصير في الأعمال.
وثانيها : خوف الخاتمة.
والمحققون خوفهم من السابقة، لأنه إنما يظهر في الخاتمة ما سبق الحكم به في الفاتحة، ولذلك كان عليه السلام يقول :


الصفحة التالية
Icon