والقيد السادس : قوله تعالى :﴿وَلاَ تَكُنْ مِّنَ الغافلين﴾ والمعنى أن قوله :﴿بالغدو والأصال﴾ دل على أنه يجب أن يكون الذكر حاصلاً في كل الأوقات وقوله :﴿وَلاَ تَكُنْ مِّنَ الغافلين﴾ يدل على أن الذكر القلبي يجب أن يكون دائماً، وأن لا يغفل الإنسان لحظة واحدة عن استحضار جلال الله وكبريائه بقدر الطاقة البشرية والقوة الإنسانية، وتحقيق القول، أن بين الروح وبين البدن علاقة عجيبة، لأن كل أثر حصل في جوهر الروح نزل منه أثر إلى البدن، وكل حالة حصلت في البدن صعدت منها نتائج إلى الروح، ألا ترى أن الإنسان إذا تخيل الشيء الحامض ضرس سنه، وإذا تخيل حالة مكروهة وغضب سخن بدنه، فهذه آثار تنزل من الروح إلى البدن، وأيضاً إذا واظب الإنسان على عمل من الأعمال وكرر مرات وكرات حصلت ملكة قوية راسخة في جوهر النفس فهذه آثار صعدت من البدن إلى النفس.
إذا عرفت هذا فنقول : إذا حضر الذكر اللساني بحيث يسمع نفسه، حصل أثر من ذلك الذكر اللساني في الخيال، ثم يصعد من ذلك الأثر الخيالي مزيد أنوار وجلايا إلى جوهر الروح، ثم تنعكس من تلك الإشراقات الروحانية آثار زائدة إلى اللسان ومنه إلى الخيال، ثم مرة أخرى إلى العقل، ولا يزال تنعكس هذه الأنوار من هذه المرايا بعضها إلى بعض، ويتقوى بعضها بعض ويستكمل بعضها ببعض، ولما كان لا نهاية لتزايد أنوار المراتب، لا جرم لا نهاية لسفر العارفين في هذه المقامات العالية القدسية وذلك بحر لا ساحل له، ومطلوب لا نهاية له.
واعلم أن قوله تعالى :﴿واذكر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ﴾ وإن كان ظاهره خطاباً مع النبي عليه السلام، إلا أنه عام في حق كل المكلفين ولكل أحد درجة مخصوصة ومرتبة معينة بحسب استعداد جوهر نفسه الناطقة كما قال في صفة الملائكة :﴿وَمَا مِنَّا إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ﴾ [ الصافات : ١٦٤ ]. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٥ صـ ٨٦ ـ ٨٩﴾


الصفحة التالية
Icon