وقال ابن عطية : والجمهور على أن الذكر لا يكون في النفس ولا يراعى إلا بحركة اللسان قال : ويدل عليه من هذه الآية قوله تعالى ﴿ ودون الجهر من القول ﴾ فهذه مرتبة السرّ والمخافتة باللفظ انتهى، ولا دلالة في ذلك لما زعم بل الظاهر المغايرة بين الحالتين وأنهما ذكران نفساني ولساني، ولذلك قال الزمخشري ومتكلماً كلاماً دون الجهر لأن الإخفاء أدخل في الإخلاص وأقرب إلى جنس التفكر انتهى، ولما ذكر حالتي الذكر وسببهما وهما التضرُّع والخفية ذكر أوقات الذكر فقيل : أراد خصوصية الوقتين لأنهم كانوا يصلون في وقتين قبل فرض الخمس، وقال قتادة : الغدوّ صلاة الصبح ﴿ والآصال ﴾ : صلاة العصر، وقيل : خصهما بالذكر لفضلهما، وقيل : المعنى جميع الأوقات وعبر بالطرفين المشعرين بالليل والنهار والغدوّ، قيل : جمع غدوة فعلى هذا تظهر المقابلة لاسم جنس بجمع ويكون المراد بالغدوات والعشايا وإن كان مصدر الغداء فالمراد بأوقات الغدوّ حتى يقابل زمان مجموع بزمان مجموع.
وقرأ أبو مجلز لاحق بن حميد السدوسي البصري والإيصال جعله مصدراً لقولهم آصلت أي دخلت في وقت الأصيل فيكون قد قابل مصدراً بمصدر ويكون كأعصر أي دخل في العصر وهو العشي وأعتم أي دخل في العتمة، ولما أمره بالذكر أكد ذلك بالنهي عن أن يكون من الغافلين أي استلزم الذكر ولا تغفل طرفة عين ومعلوم أنه عليه السلام تستحيل عليه الغفلة لعصمته فهو نهي له ( ﷺ ) والمراد أمته. أ هـ ﴿البحر المحيط حـ ٤ صـ ﴾
وقال أبو السعود :
﴿ واذكر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ ﴾
على الأول عطفٌ على قل وعلى الثاني فيه تجريد للخطاب إلى رسول الله ﷺ وهو عام في الأذكار كافةً فإن الإخفاءَ أدخلُ في الإخلاص وأقربُ من الإجابة ﴿ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً ﴾ أي متضرعاً وخائفاً ﴿ وَدُونَ الجهر مِنَ القول ﴾ أي ومتكلماً كلاماً دون الجهر فإنه أقرب إلى حسن التفكر ﴿ بالغدو والاصال ﴾ متعلقٌ باذكر أي اذكره في وقت الغُدوات والعشيات وقرىء والإيصال وهو مصدر آصَلَ أي دخل في الآصيل موافقٌ للغدو ﴿ وَلاَ تَكُنْ مّنَ الغافلين ﴾ عن ذكر الله تعالى. أ هـ ﴿تفسير أبى السعود حـ ٣ صـ ﴾