أخرج الترمذي - بإسناده - عن عدى بن حاتم - رضي الله عنه - أنه لما بلغته دعوة رسول الله ( ﷺ ) فر إلى الشام. وكان قد تنصر في الجاهلية. فأسرت أخته وجماعة من قومه. ثم منّ رسول الله ( ﷺ ) على أخته وأعطاها. فرجعت إلى أخيها فرغبته في الإسلام، وفي القدوم على رسول الله ( ﷺ ) فتحدث الناس بقدومه. فدخل على رسول الله ( ﷺ ) وفي عنقه [ أي عدي ] صليب من فضة وهو [ أي النبي ( ﷺ ) ] يقرأ هذه الآية: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله).. قال: فقلت: إنهم لم يعبدوهم. فقال:" بلى ! إنهم حرموا عليهم الحلال، وأحلوا لهم الحرام. فاتبعوهم. فذلك عبادتهم إياهم "..
وتفسير رسول الله ( ﷺ ) لقول الله سبحانه، نص قاطع على أن الاتباع في الشريعة والحكم هو العبادة التي تخرج من الدين، وأنها هي اتخاذ بعض الناس أرباباً لبعض.. الأمر الذي جاء هذا الدين ليلغيه، ويعلن تحرير "الإنسان"، في "الأرض" من العبودية لغير الله..
ومن ثم لم يكن بد للإسلام أن ينطلق في "الأرض" لإزالة "الواقع" المخالف لذلك الإعلان العام.. بالبيان وبالحركة مجتمعين.. وأن يوجه الضربات للقوى السياسية التي تعبد الناس لغير الله - أي تحكمهم بغير شريعة الله وسلطانه - والتي تحول بينهم وبين الاستماع إلى "البيان" واعتناق "العقيدة " بحرية لا يتعرض لها السلطان. ثم لكي يقيم نظاماً اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً يسمح لحركة التحرر بالانطلاق الفعلي - بعد إزالة القوة المسيطرة - سواء كانت سياسية بحتة، أو متلبسة بالعنصرية أو الطبقية داخل العنصر الواحد !