كانت قائمة في هذه المرحلة. وقد لخصناها عند تفسير قوله تعالى: (ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة...)من سورة النساء. ولا نرى بأساً في إثبات بعض هذا التلخيص هنا مرة أخرى:
"ربما كان ذلك لأن الفترة المكية كانت فترة تربية وإعداد، في بيئة معينة، لقوم معينين، وسط ظروف معينة. ومن أهداف التربية والإعداد في مثل هذه البيئة بالذات، تربية نفس الفرد العربي على الصبر على ما لا يصبر عليه عادة من الضيم على شخصه أو على من يلوذون به. ليخلص من شخصه، ويتجرد من ذاته، ولا تعود ذاته ولا من يلوذون به محور الحياة في نظره ودافع الحركة في حياته. وتربيته كذلك على ضبط أعصابه، فلا يندفع لأول مؤثر - كما هي طبيعته - ولا يهتاج لأول مهيج، ليتم الاعتدال في طبيعته وحركته. وتربيته على أن يتبع مجتمعاً منظماً له قيادة يرجع إليها في كل أمر من أمور حياته، ولا يتصرف إلا وفق ما تأمره به - مهما يكن مخالفاً لمألوفه وعادته - وقد كان هذا هو حجر الأساس في إعداد شخصية العربي، لإنشاء "المجتمع المسلم" الخاضع لقيادة موجهة، المترقي المتحضر، غير الهمجي أو القبلي !
"وربما كان ذلك أيضاً، لأن الدعوة السلمية كانت أشد أثراً و أنفذ، في مثل بيئة قريش، ذات العنجهية والشرف ; والتي قد يدفعها القتال معها - في مثل هذه المرحلة - إلى زيادة العناد، وإلى نشأة ثارات دموية جديدة كثارات العرب المعروفة التي أثارت حرب داحس والغبراء، وحرب البسوس، أعواماً طويلة، تفانت فيها قبائل برمتها. وتكون هذه الثارات الجديدة مرتبطة في أذهانهم وذكرياتهم بالإسلام. فلا تهدأ بعد ذلك أبداً. ويتحول الإسلام من دعوة إلى ثارات وذحول تنسى معها وجهته الأساسية، وهو في مبدئه، فلا تذكر أبداً !


الصفحة التالية
Icon