"فالنحلة [ ] على حسب الاصطلاح الشائع عندهم، لا يراد بها إلا مجموعة من العقائد والعبادات والشعائر. ولا جرم أن "النحلة " بهذا المعنى لا تعدو أن تكون مسألة شخصية. فأنت حر فيما تختاره من العقيدة ; ولك الخيار في أن تعبد بأي طريق شئت من رضيت به رباً لنفسك. وإن أبت نفسك إلا التحمسلهذه النحلة والانتصار لعقيدتها فلك أن تخترق الأرض، وتجوب بلاد الله الشاسعة، داعياً إلى عقيدتها، مدافعاً عن كيانها بالحجج والبراهين، مجادلاً من يخالفونك فيها بمرهفات الألسنة وأسنة الأقلام. أما السيف وآلات الحرب والقتال، فمالك ومالها في هذا الشأن ؟ أتريد أن تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين بعقيدتك ؟! وإن كان الإسلام نحلة [ ] كنحل العالم، على حسب الاصطلاح الشائع عندهم كما يزعمون، فالظاهر أنه لا شأن فيها للسيف وأدوات الحرب، كما قالوا. ولو كان موقف الإسلام في نفس الأمر كما زعموا ووصفوا لما كان فيه مساغ للجهاد، ولم يكن من الإسلام في ورد ولا صدر ; لكن الأمر على خلاف ذلك، كما سوف تعرفه فيما يأتي من البيان. وكذلك كلمة "الأمة " [ ] فما هي إلا عبارة عن طائفة من الناس متوافقة فيما بينها [ ] اجتمعت وتألفت وامتازت من بين طوائف أخرى لاشتراكها في بعض الأمور الجوهرية. فالطائفة التي تكون "أمة "، بهذا المعنى، لا يبعثها على استخدام السيف إلا أمران: إما أن يعتدي عليها أحد، ويريد أن يسلبها حقوقها المعروفة ; وإما أن تحمل هي بنفسها على طائفة أخرى لتنتزع من يدها حقوقها المعروفة. ففي الصورة الأولى منهما، لها سعة في الأمر، وهي لا تخلو من وازع خلقي يلجئها إلى استخدام السيف والبطش بمن اعتدى عليها. وإن كان بعض المتشدقين بالأمن والسلام لا يبيح ذلك أيضاً ! - أما الصورة الثانية - أي الاعتداء على حقوق غيرها والإغارة على الشعوب والأمم من غير ما سبب - فلا يبيحها غير الجبابرة المسيطرين [ ] حتى إن ساسة الدول الكبرى