"والإسلام يتجنب الكلمات الشائعة في دعوته وبيان منهجه العملي - شأن غيره من الدعوات الفكرية والمناهج الانقلابية - بل يؤثر لذلك لغة من المصطلحات [ ] خاصة، لئلا يقع الالتباس بين دعوته وما إليها من الأفكار والتصورات، وبين الأفكار والتصورات الشائعة الرائجة. " فالجهاد" أيضاً من الكلمات التي اصطلح عليها الإسلام لأداء مهمته وتبيين تفاصيل دعوته. فأنت ترى أن الإسلام قد تجنب لفظة [ الحرب ] وغيرها من الكلمات التي تؤدي معنى القتال [ ] في اللغة العربية، واستبدل بها كلمة [ ] في اللغة الإنجليزية. غير أن لفظة [ الجهاد ] أبلغ منها تأثيراً، وأكثر منها إحاطة بالمعنى المقصود. فما الذي أفضى بالإسلام إلى أن يختار هذه الكلمة الجديدة، صارفاً بوجهه عن الكلمات القديمة الرائجة ؟ الذي أراه وأجزم به أنه ليس لذلك إلا سبب واحد: وهو أن لفظة "الحرب" [ ] كانت ولا تزال تطلق على القتال الذي يشب لهيبه وتستعر ناره بين الرجال والأحزاب والشعوب لمآرب شخصية وأغراض ذاتية والغايات التي ترمي إليها أمثال هذه الحروب لا تعدو أن تكون مجرد أغراض شخصية أو اجتماعية، لا تكونفيها رائحة لفكرة أو انتصار لمبدأ. وبما أن القتال المشروع في الإسلام ليس من قبيل هذه الحروب، لم يكن له بد من ترك هذه اللفظة [ الحرب ] البتة. فإن الإسلام لا ينظر إلى مصلح أمة دون أمة ; ولا يقصد إلى النهوض بشعب دون شعب ; وكذلك لا يهمه في قليل ولا كثير أن تملك الأرض وتستولي عليها هذه المملكة أو تلك ; وإنما تهمه سعادة البشر وفلاحهم. وله فكرة خاصة ومنهاج عملي مختار لسعادة المجتمع البشري والصعود به إلى معارج الفلاح. فكل حكومة مؤسسة على فكرة غير هذه الفكرة، ومنهاج غير هذا المنهاج، يقاومها الإسلام، ويريد أن يقضي عليها قضاء مبرماً ; ولا يعنيه في شيء بهذا الصدد أمر البلاد التي قامت فيها تلك الحكومة غير المرضية، أو الأمة التي ينتمي إليها القائمون


الصفحة التالية
Icon