"لكن الجهاد الإسلامي ليس بجهاد لا غاية له ; وإنما هو الجهاد في سبيل الله ; وقد لزمه هذا الشرط لا ينفك عنه أبداً. وذلك أيضاً من الكلمات التي اصطلح عليها الإسلام لتبيين فكرته وإيضاح تعاليمه، كما أشرت إليه آنفاً. وقد انخدع كثير من الناس بمدلوله اللغوي الظاهر، وحسبوا أن إخضاع الناس لعقيدة الإسلام وإكراههم على قبولها هو "الجهاد في سبيل الله" وذلك أن ضيق صدورهم وعدم اتساع مجال تفكيرهم يعوقهم أن يسموا بأنفسهم فوق ذلك ويحلقوا في سماء أوسع من سمائهم. لكن الحق أن "سبيل الله" في المصطلح الإسلامي أرحب وأوسع بكثير مما يتصورون، وأسمى غاية وأبعد مراماً مما يظنون ويزعمون..
"فالذي يتطلبه الإسلام أنه إذا قام رجل، أو جماعة من المسلمين، تبذل جهودها، وتستنفد مساعيها للقضاء على النظم البالية الباطلة، وتكوين نظام جديد حسب الفكرة الإسلامية، فعليها أن تكون مجردة عن كل غرض، مبرأة من كل هوى أو نزعة شخصية، لا تقصد من وراء جهودها، وما تبذل في سبيل غايتها من النفوس والنفائس إلا تأسيس نظام عادل يقوم بالقسط والحق بين الناس، ولا تبتغي بها بدلاً في هذه الحياة الفانية، ولا يكون من هم الإنسان خلال هذا الكفاح المستمر والجهاد المتواصل لإعلاء كلمة الله أن ينال جاهاً وشرفاً أو سمعة وحسن أحدوثة، ولا يخطرن بباله أثناء هذه الجهود البالغة والمساعي الغالية أن يسمو بنفسه وعشيرته، ويستبد بزمام الأمر، ويتبوأ منصب الطواغيت الفجرة، بعدما يعزل غيره من الجبابرة المستكبرين عن مناصبهم. وها هو ذا القرآن الكريم ينادي بملء صوته:
(الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت)... [ النساء: ٧٦ ]
... " وقد تضمنت الآية الكريمة:(يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون)... [ البقرة: ٢١ ]


الصفحة التالية
Icon